هل صحيح أن طاش، المسلسل الرمضاني الناجح، سبب الكثير من الإزعاج غير المبرر؟ وهل كان شباب المسلسلات الدرامية عموما قاسين في تناولهم لمظاهر المجتمع؟ على العكس تماما جاؤوا متأخرين بعض الشيء لأن كل ما قيل، إن صدقا أو كذبا، مطروح في المجالس منذ دهر وظل يقال خلف أبواب موصدة. أيضا نحن أمام دليل على انفتاح متعقل، وإن كان بطيئا، فيه رد على النقد القاسي الذي وجه ضد دول المنطقة العربية من أنها ترفض النقد وتغلق النوافذ في وجه حريات التعبير. الآن صار جليا وجود تسامح وتطور نوعي في النقد لفت انتباه الكثيرين، خاصة الدراما الرمضانية على شاشات التلفزيون التي تمثل عادة ذروة المشاهدة في السنة كلها ويتحلق حولها كل شرائح المجتمع، وهي جزء من الحوار الذي دشنته المؤسسة الرسمية بين المثقفين من قبل.ولأنها لامست جروحا قديمة من الطبيعي أن نرى موجات الاستنكار المختلفة ضد ما يطرح من نقد لأنه حدث غير مألوف في مجتمعات عاشت صامتة على مشاكلها تناقشها فقط في داخل مجالسها ولا تؤثر على حركة التيار العام من الناس. والمهم ليس التأثير على القرار الحكومي لسبب أكيد وهو أن معظم الحكومات في المنطقة تتأثر بالتيارات وتجاذبات المجتمع وتتفاعل معها. هكذا عادة تصنع التبدلات من خلال الوصول الى العامة لا الى الخاصة. وأنت لا تستطيع أبدا تغيير سلوك الناس الكبير بقرارات رسمية، وأبرز مثال على ذلك دور المرأة في المجتمع كعاملة أو مشاركة أو حتى سائقة للسيارة. ليس بمقدور الحكومة مواجهة التيار الغالب إن كان مقتنعا بسلوكيات ويعتنقها بشكل متجذر، لكن وسائل الإعلام هي اللاعب الحقيقي الذي يخلق أولا الجدل، وثانيا يعكس المزاج العام، وثالثا يرشد المؤسسة الرسمية، وأخيرا يدفع الى التغيير.ولا أريد أن أبالغ بإعطاء المسلسلات التلفزيونية في رمضان الدور الاجتماعي والسياسي، لكنه من الواضح أنها أفضل وجبة رمضانية على مائدة الإفطار. تصل الى الناس بسرعة والردود المختلفة عليها دليل على أنها نجحت في رسائلها وخلقت الحوار المطلوب. من بعدها يقرر المجتمع لنفسه بعد أن قبل مناقشاتها وربما يقوم بتغييرها ولو بعد حين.وهذا دائما ما أناقش فيه عندما تثار السجالات، خاصة ممن هم من خارج المنطقة ويعجزون عن فهم لماذا لا تصدر الحكومة قرارا يعين المرأة على العمل ويمنحها حقوقها الأولية البسيطة التي تجاوزها العالم منذ وقت بعيد. أقول إن القرارات الصائبة في الزمن الخاطئ تسبب انتكاسات غير محمودة، والزمن المناسب لا يأتي بنفسه بل عبر التيارات الداخلية التي تثير وتناقش وتجمع أكبر عدد من المؤمنين بطروحاتها، بعدها يأتي زمن القرار ويصبح فعالا. أي أن التغيير من تحت وليس من فوق في مثل هذه القضايا. وهذا لا يعني أن تترك الأمور عقودا طويلة الى أن يستيقظ الناس ويطالبون بتحديث مجتمعاتهم، بل مهم فتح النوافذ للنقاش والإقناع، وهنا يأتي دور الإعلام كما نراه اليوم في المائدة الرمضانية. [c1]* نقلا / عن صحيفة "الشرق الوسط" اللندنية[/c]
أكثر من مجرد طاش
أخبار متعلقة