طقوس الاحتفال بمرور يوم الثورة اليمنية واستقباله سنوياً بكل الحفاوة والحب أكانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م الثورة الأم.. أو ثورة الرابع عشر من أكتوبر 63م، كرست وبما لا يدع مجالاً للشلك لدى النشء على تعاقبه مشاعر الاعتزاز بالرجال الذين صنعوا المجد اليمني الشامخ والراسخ رسوخ الجبال ويتجلى اليوم بأجمل صوره بوحدة ولادة الثورتين اليمنيتين عندما تحققت وحدة الأرض والإنسان اليمني على امتداد الساحة اليمنية كلها.ويظل لهذا التقليد على الرغم من كل شيء وقفات جادة لتقييم سير أداء الثورتين سنوياً واستخلاص الدروس والعبر دورياً لأتباع أنجع الوسائل والسبل لتحقيق المزيد من الانتصارات على الأصعدة المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من مجالات الحياة في القطاعات المختلفة في ممارسة سياسية وحدوية حقة، وبعيداً عن أية ممارسة بديلة الهدف منها خلق جدار وهمي بين الثورتين تهشمه وحدة الإرادة اليمنية الصلبة.إن وقوف المناضلين دورياً بروح واحدة لتقييم مسار الثورتين يمكنهم وبحق من تفهم الظروف والمستجدات التي مرت وتمر بها البلاد.. ووضع المعالجات الكفيلة بتجاوز كل المعوقات التي تقف أمام اليمن الواحد في مرحلة من أحرج مراحل الحياة ليس أمام الشعب اليمني وقواه الحية سوى التمسك بوحدته ووحدة إرادته، التي بدونها استحالة التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام.. خاصة في ظل الزحمة العالمية وعدم وجود بصيرة لمستقبل العالم اليوم الأمرالذي يضع اليمن أمام تحديات غير مسبوقة للتعبير عن نفسه وسط هذا الزحام وتأكيد إرادته الحقة عربياً وعالمياً في انتزاع الحياة الحرة والكريمة مع بقية الشعوب التواقة إلى مستقبل أفضل.لذا فإن المناضلين اليمنيين في عموم الساحة اليمنية مطالبون أكثر من أي وقت مضى بدراسة جادة وتقييم مسؤول لتاريخ الثورة اليمنية وعلاقة هذا التاريخ بالثورات العربية والعالمية سلباً وإيجاباً والبحث عن همزات الوصل بين ثورة اليمن وهذه الثورات وتحديد مراكز الضعف والقوة في علاقتها بالثورة اليمنية تاريخياً وتأثير تلك العلاقة على حركة الثورة اليمنية اليوم.نأخذ مثلاً لتدعيم ما قلناه علاقة الثورة اليمنية بثورة 23 يوليو في مصر، وهي العلاقة التي كانت وماتزال قائمة على الاحترام المتبادل بين صناع الثورتين اليمنية والمصرية.السؤال الجدير بالإجابة عليه، هذه العلاقة التاريخية التي قامت بين ثورة 23 يوليو في مصر والثورة اليمنية على الساحتين جنوباً وشمالاً هل ماتزال تسحب نفسها إلى اليوم على ما يدور في الساحة اليمنية؟ وهل هي عامل قوة أم ضعف للثورة اليمنية مضاف إليها الثورات العربية والعالمية الأخرى التي كانت لها علاقة باليمن آنذاك.. هل ماتزال تؤثر وتتأثر بها على غرار علاقتها بالثورة المصرية كثورتين ليست مجازفة إذا قلنا يجمعهما المصير المشترك نظراً لأن الحضور المصري على الساحة اليمنية آنذاك كان عامل قلق غير عادي للقوى المعادية للشعبين المصري واليمني إلى الحد الذي كانت من ابرز أهداف نكسة حزيران عام 1967م ليس تحقيق أهداف محددة لإسرائيل على الأراضي المصرية، بل من أهدافها غير المعلنة إعادة ترتيب الأوضاع على الساحة العربية عموماً ومن ضمنها اليمن التي كان من المستحيل تحقيقها في ظل تواجد القوات المصرية حينها في شمال اليمن كبلد كان يمر بأحرج الظروف وفي مقدمتها تأهب جنوبه لنيل الاستقلال قبل نهاية عام النكسة.. فكان انقلاب 5 نوفمبر من العام نفسه الذي رتبت له بعناية فائقة لاستقبال القوى السياسية في شمال البلاد في ترتيب أوضاعها على أثر الانقلاب الذي قام في ظل غياب القوات المصرية المنسحبة مجبرة حينها من اليمن لمواجهة عدو أخطر وأشرس على أراضيها التي دنسها العدوان غير مدركة في ظل تسارع الأحداث وغياب البصيرة والمتطلبات التي يتطلبها استمرار التواجد المصري في اليمن مادياً ومعنوياً في اعقاب النكسة بأن الانسحاب من الساحة اليمنية كان الهدف منه إخلاء الساحة اليمنية لتأمين الإعلان عن نظام آخر في جنوب الساحة اليمنية لمواجهة نظام يتأسس في شمالها.إن التفكير العميق بتاريخ الثورة اليمنية والخروج باستخلاصات وعبر محددة من هذا التاريخ يتطلب وضعه أمام مجهر الممارسة السياسية السابقة والحالية واللاحقة لمعرفة قوة تأثيره وفعله على الساحة اليمنية الموحدة أولاً وأخيراً، أما إذا ظلت الممارسة السياسية في الاتجاه المعاكس أي أن رجال كل ثورة يعتنون ويتحدثون عن الثورة التي تعنيهم فحسب، أما الثورة الأخرى لها رجالها المتحدثون باسمها فإن نتيجة هذه الممارسة ولا شك ستكون وخيمة لا قدر الله.. إذ لا يمكن فصل ثورة عن أخرى ليس على الساحة اليمنية فحسب، بل وعلى الساحتين العربية والعالمية، هذا إذا شاء صُنّاع هذه الثورات الحفاظ على أمجادهم والاستمرار بذات النفس الخلاق الذي دخلوا به التاريخ.وهو العشم بالآباء والأجداد الذين صنعوا ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر و 14 أكتوبر وإيماننا بهم الذي لا حدود له.. كما أنهم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بدراسة جادة لتاريخ الثورة اليمنية وإعادة دراسته كلما دعت الضرورة لذلك وتحديد نقاط قوة وضعف هذا التاريخ بالثورات العربية والعالمية وتفنيد السلب والإيجاب فيه والبحث الجاد عن همزات الوصل وخطوط التقاطع والتواصل معها، ولا غرابة إذا قلنا إن آمالنا بصناع ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر يتجاوز ذلك بكثير وهو الأمر الذي بحاجة إلى المزيد من التفولذ للارتقاء بأهداف الثورتين إلى مصاف التعبير ليس فقط عن العقل والضمير اليمني بل إلى ابعد من ذلك بكثير إلى التعبير عن ضمير الأمة العربية مجتمعة.
14 أكتوبر .. ثورة تتجدد .. ثوار مخلصون
أخبار متعلقة