إلا أن المفارقة الكبرى تبدأ بعد خروج السمك من الحراج. فبينما يُباع الحوت الذي يزن 6 أو 7 كيلوغرامات بما لا يتجاوز 15,000 ريال، أي ما يعادل تقريباً 2,500 ريال للكيلوغرام، يقفز السعر في أسواق البيع بالتجزئة إلى أضعاف ذلك، إذ يصل سعر الكيلو الواحد في بعض أسواق عدن ما بين 6,000 و8,000 ريال، بل ويتجاوز هذا الحد أحياناً في غياب الرقابة. أي أن الفارق بين سعر الشراء من الحراج وسعر البيع للمستهلك يزيد على 150 ٪، وقد يصل إلى 300 ٪ عندما يُترك الأمر لجشع بائعي التجزئة دون تدخل الجهات الرقابية.
وفي المقابل، هناك حلقة أخرى من المستفيدين الكبار، تتمثل في تجار الجملة والمتعهدين الذين يشترون كميات ضخمة من الثمد تصل إلى 15 طناً في الحملة الواحدة، لبيعها على مصانع تعليب أسماك التونة بسعر لا يتجاوز 3,800 ريال للكيلوغرام، ليتم نقلها في حاويات خاصة إلى مصانع التونة في حضرموت. هذه المصانع، وعددها 4 مصانع، تحتسب قيمة الحوت كاملاً دون تقطيع، وتحقق أرباحاً مضاعفة عبر تعليب لحوم التونة وبيعها بأسعار مرتفعة في الأسواق المحلية والخارجية، بل إنها لا تترك شيئاً من مخلفات السمك دون استغلال، إذ تُستخرج الزيوت من بقاياه ويُحوّل ما تبقى إلى أعلاف وسماد ويتم تصديره للخارج.
وفي ظل هذا الواقع، يقف المستهلك البسيط حائراً أمام معادلة غير منصفة؛ فبينما ينخفض السعر في الحراج، يبقى مرتفعاً في السوق، وكأن الوفرة تحولت من نعمة إلى بابٍ جديد للاحتكار والربح غير المشروع. وحتى التسعيرات التي تفرضها مكاتب الصناعة والتجارة، والتي تحدد سعر الكيلو ما بين 6,000 و7,000 ريال، تبدو بعيدة عن واقع العرض والطلب اليومي، إذ لا تواكب حركة السوق الفعلية ولا تمنع التلاعب بالأسعار.
إن موسم وفرة الثمد يفترض أن يكون فرصة لتخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين، لكنه في ظل غياب الرقابة الفعلية يتحول إلى موسم لجني الأرباح الطائلة من جيوب المستهلكين. لذا، فإننا نهيب بالجهات المختصة في الصناعة والتجارة والثروة السمكية أن تتفاعل بجدية مع هذا الواقع، وأن تراقب حركة البيع بشكل يومي، وتضع تسعيرة عادلة ومتجددة تضمن توازن السوق وتكفل للمواطن حقه في الحصول على رزق البحر بسعر معقول. فنعمة البحر لا ينبغي أن تتحول إلى أداة للثراء السريع على حساب الناس، بل إلى بركةٍ تعم الجميع.
