
تصريحات الزبيدي الأخيرة لقناة الحرة الأمريكية، التي تحدّث فيها عن إمكانية انضمام مناطق من الشمال مثل تعز ومأرب إلى الجنوب، لم تكن مجرّد حديثٍ سياسي عابر، بل جاءت كرؤية مستقبلية متكاملة تنطلق من قراءة دقيقة للواقع الجغرافي والسياسي والاجتماعي. فالحديث عن “العمق الاستراتيجي” ليس شعارًا إنشائيًا، بل توصيفٌ لركيزة بقاء أي دولة تسعى إلى التوازن والقدرة على الدفاع عن حدودها ومصالحها.
يدرك الزبيدي، بخبرته العسكرية والسياسية، أن قيام اي دولة لن يكتمل إلا بتأمين حدودها وضمان توازنها ، وهو ما يجعل من تعز ومأرب جزءًا من الامتداد الطبيعي لجنوبٍ يسعى للاستقرار والتنمية لا للهيمنة أو التوسع.
فالفكرة ليست احتواءً بل شراكة في المصير والمصلحة أمام مشروعٍ حوثي توسّعي يسعى لابتلاع ما تبقّى من الدولة اليمنية.
وهكذا يرى الزبيدي الجنوب دولةً تحمي لا تبتلع، وتشارك لا تهيمن.
اللافت في طرح الزبيدي أنه ينقل المشروع الجنوبي من مربع الشعارات إلى ميدان الدولة الممكنة؛ فهو لا يتحدث عن الانفصال ، بل عن بناء منظومة سياسية واقتصادية متكاملة ذات بعد عربي وإقليمي.
ورغم ما أثارته هذه الرؤية من نقاشٍ واسع في الأوساط السياسية، إلا أنها تمثل منعطفًا نوعيًا في التفكير الجنوبي، إذ تربط بين فكرة استعادة الجنوب وبين إسقاط الحوثي كمقدمة لبناء توازنٍ جديد في اليمن والجزيرة العربية.
إنّ ما يطرحه اللواء عيدروس الزبيدي اليوم هو مشروع دولة بعقلية القائد المحنك، وبروح الوحدة في التنوع لا في الإكراه.
فالجنوب - في رؤيته - لا يبحث عن حدودٍ ترسمها الخرائط فقط، بل عن دولةٍ ترسمها الإرادة والعقل الاستراتيجي.
ومن هنا، يبدو أن الجنوب لا يسير نحو ماضٍ يريد استعادته، بل نحو مستقبلٍ يريد بناءه على أسس القوة والعقلانية والشراكة.
ولا شك أن رؤية الزبيدي ستلقى صدىً واسعًا وترحيبًا كبيرًا من أبناء تعز ومأرب، الذين يرون في هذا المشروع فرصةً لتأسيس توازنٍ وطني جديد يُنهي دوامة الصراع ويصنع ملامح الدولة القادمة.
ويظل اللواء عيدروس الزبيدي نموذجًا للقائد الذي يجمع بين الحكمة العسكرية والرؤية السياسية الثاقبة، وهو القادر على توجيه المشروع الجنوبي نحو تحقيق أهدافه بعقلانية وموضوعية. فالزبيدي ليس مجرد زعيم سياسي، بل قائد يرى المستقبل ويخطط له، ويرسم الطريق لشعبه بثقة وجرأة، ما يجعل رؤيته عن دولة الجنوب العربي محط اهتمام وتقدير من كل من يؤمن بالاستقرار والتنمية.