
لكن كعادته، لم يجد فيهم طعاما يشبع سلطته، فبعث إلى الثعلب، صاحب الخبرات الطويلة في “التدوير السياسي”، يأمره أن يأتيه بفريسة ترضي غروره، وإلا فليتجهز هو كوجبة بديلة.
الثعلب، بدمه البارد وحيله المعتادة، توجه إلى حي الحمير. وهناك، كما جرت العادة، لم يكن يحتاج إلى أكثر من بضع كلمات منمقة، وبعض الوعود “الديمقراطية” حتى يغرّر بحمارٍ بريء لم يتلق تعليما سياسيا كافيا، لكنه كان يحلم بـ”كرسي” فقط، ولو كرسي إعدام.
قال له: “يا جلالة الحمار، لقد قررت الغابة وأسدها المهاب، بالإجماع، أن يكون لك شرف الحكم، فالعرش بانتظارك”.
الحمار، متوجسا قليلا، سأل: “ومن يضمن أن الأسد لن يأكلني؟”.
فأجابه الثعلب، بكل ثقة: “أنا أضمن، وبشرط أن تعينني مستشارا لك، وسأكتب خطاب تتويجك بالبنط العريض، وأصمم لك شعارا وطنيا تعلوه صورتك الشخصية”.
وبالفعل، ذهب الحمار إلى قصر الأسد، ظنا أنه سيدخل تاريخ الغابة من أوسع أبوابه، لكن الأسد استقبله بفكيه لا بذراعيه.
ورغم أن الحمار نجا في اللحظة الأخيرة، فقد خرج من المعركة دون ذيله، وهذا ما لا يؤثر على السيادة كثيرا، من وجهة نظر الثعلب، بل قد يكون ميزة بروتوكولية.
عاد الثعلب، ببيان إعلامي جديد، وقال: “لقد تخلّى الأسد عن ذيلك حتى يسهل جلوسك على العرش، فكرسي الملوك لا يحتمل الزوائد”.
ورجع الحمار، هذه المرة بلا تحفظ، ليخسر أذنيه في المحاولة الثانية.
لكن لا بأس، وبحسب بيان الثعلب الرسمي، فـ”الأذنان تعيقان وضع التاج الملكي، وهذا مجرد تعديل دستوري بسيط”.
وفي الطريق إلى الزيارة الثالثة، شعر الثعلب بالجوع، ولم يجد مانعا من أن يتغدى بمخ الحمار، وهو يعلم أن الحمار سيتعشى نفسه في حضرة الأسد.
وحين أتى الأسد ليتناول “مخه المفضل”، فتح رأس الحمار، فلم يجد سوى جمجمة فارغة.
ثار الأسد، وطلب رأس الثعلب فوراً، قائلاً: “لقد أكلت المخ، وسأجعلك تدفع ثمنه روحك”..
لكن الثعلب، ككل سياسي مخضرم، كان لديه الرد الجاهز، وقال:
“مولاي، لو كان للحمار مخ، لما عاد إليك للمرة الثالثة”.
خلاصة كل ذلك، أن الأسد لم يشبع من أكل شعبه، لكنه كان يهوى طقوس حكم الحمير، أما الثعلب فبقي متصدرا لتسويقها، ورغم جرائمه، فهو العارف كيف تكتب البيانات الرسمية، للدفاع عن مملكة الحمير وما أدراك ما الحمير.
أما المخ فقد بات وجبة نادرة في الغابة، بعدما هاجر أذكياؤها أو أكلتهم الأنظمة المتعاقبة.
وفي زمن تهافت الحمير على العروش، وانشغال الثعالب بإخراج المسرحيات، وافتراس الأسود للكل دون شبع، فنصيحتي بأن لا تبحث عن العدالة عند سلطان جائر، بل ابحث عن عقلك أولا، لأنه أول ما يؤكل في هذا البلد الكمين.