.jpeg)
2
منذ سنوات تزيد على العقد والنيف، تعاني عدن والمحافظات المسماة “محررة “من انطفاء الكهرباء وخروج عدد من المحطات عن الخدمة، وتزداد تفاقماً مع مرور الوقت والسنين حتى بلغت ساعات الإطفاء عشرين ساعة متواصلة يومياً، في مدينةعدن والعديد من المدن في حضرموت ولحج وأبين المعروفة بحرها الشديد خاصة في أشهر الصيف، وهو أمر فوق طاقة الاحتمال وفوق طاقة الصبر حتى أعيَا الصبر صبر الصابرين !. ولو أن هذا حدث في بلاد أُخرى ولو لدقائق لقدم المسؤولون استقالاتهم واعتذروا لمواطنيهم أيما اعتذار وعلى العلن كما فعل عدة وزراء في اليابان.! لكن مالنا واليابان، فذاك كوكب آخر لاتجوز المقارنه به او معه، سيان !! هناك يستقيل الوزراء لأقل سبب، كزلة لسان، أو تأخر قطار عن موعده لدقائق، أو تقديم هدايا أو قبولها.
عندنا لا أحد يستقيل او حتى يُقال ! حتى لو مات الناس من الحر ومن القهر ومن الصبر ! الأمر سيان عند هؤلاء المسؤولين الذين يعيشون خارج الوطن، ولايداومون في وزاراتهم، ولايشعرون بأي نوع من حس المسؤولية، أو من وخز الضمير، طالما لايكتوون بنيران الحر وانعدام الكهرباء.!!
من يقيل أو يستقيل إذا كان الكل غارقاً في الفساد ونهب المال العام، ويستلمون رواتبهم بالعملة الصعبة بينما الموظفون يستلمون أدنى الرواتب بالريال اليمني ( الساقط) وفي الغالب بدون رواتب لشهور عديدةوسط غلاء فاحش وارتفاع مهول في الأسعار !!!
2
منذ اختراع اديسون للمصباح الكهربائي في 1847م، ومايكل فاردي لطريقة توليد الطاقة الكهربائية والعالم يدار بالكهرباء، المصانع والمزارع والقطارات، السينما، المنازل وحتى الأجهزة المنزلية ( الثلاجة، الخلاط، الميكرويف، التلفزيون، آلة الحلاقة، الاستشوار الخ...) وبدون الدخول في التفاصيل عن أسباب أزمة الطاقة أو الكهرباء، ومن المسؤول عنها فان أُم الأسباب هو الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة الضائعة وفي الحياة العامة.
3
للدكتور علي محمد جار الله كتاب عنوانه ( كفى فساداً)صدر عام 2019 م أهداني نسخة منه استعرتُ منه عنوان مقالي، وفيه يحدد المؤلف النتائج المترتبة على الفساد بعد تعريفه طبعاً، منها إبطاء النمو الاقتصادي وتعطيل الخدمات الاجتماعية، والإحتيال على العدالة عن طريق الرشاوي، والأدهى من ذلك ان الفساد يؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقيةالقائمة على الصدق والأمانة والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. او كما قال أحمد شوقي: ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ) كما أن الفساد يعمق شعور المواطنين بالحقد وعدم المسؤولية والنوايا السلبية. ويصل المؤلف إلى نتيجة مفادها ان النتيجة المتراكمة عن هذه الآثار هو أنه- أي الفساد- يشوه هيكل القيم والعدالة ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة كما يفرغ جهود الإصلاح الإداري الحكومي من فاعليتها.
اما أسباب الفساد، فيعيدها دكتور جار الله إلى أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية وإلى النفس البشرية، ويعتبر الاستبداد من أخطر أسباب الفساد حيث لايختار الشعب حكامه، وبالتالي تنعدم الرقابة، وينتشر الجهل، مما يجعل جهل المواطنين بحقوقهم أكثر عرضة للاستغلال من قبل الموظفين والمسؤولين، كما ان تدني مرتبات الموظفين يجعلهم عرضة للرشوةلسد احتياجاتهم المعيشية، كما يعتبر الفقر الناتج عن الأزمات الاقتصادية و ارتفاع مستوى البطالة من اهم أسباب الفساد واستشرائه في المجتمع. وهي أمور كلها تنطبق على حال الفساد في اليمن التي صنفت في تقرير منظمة الشفافية الدولية ضمن أكثر دول العالم فساداً، واحتلت المرتبة 176 على مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 وفي المرتبة الخامسة كأكثر دول العالم فساداً. ويعود هذا التصنيف المتدني إلى الوضع غير المستقر في اليمن من صراعات وانقسامات إضافة إلى استغلال المساعدات الدولية من جهات مختلفة لمنفعتها الخاصة على حساب المحتاجين إليها. كما يشير إلى الفساد الكبير في التعيين في الوزارات والسفارات والمنح الدراسية بطريقة مخالفة للقانون. وحصول أقارب المسؤولين ( معظمهم مقيمون في الخارج )على مزايا كثيرة ليست من حقهم من بينها المناصب والرتب العسكرية والأموال تعتبر من ضمن هذا الفساد.
لهذا لاغرابة ان كل الحكومات التي جاءت بعد تحرير عدن والمحافظات المحررة فشلت في مكافحة الفساد الذي تغول برغم إعلانها مكافحة الفساد في سلم أولوياتها، والنتيجة انها فشلت في توفير أدنى الاحتياجات الأساسية للمواطنين: الكهرباء والمياه والرواتب إضافة والصحة والتعليم، إلى تدني العملة وغول الغلاء الذي توحش إلى حد مخيف.
4
عشت في موسكو اربع سنوات لم تنطفئ فيها الكهرباء ثانيةواحدة، وعشت في الإمارات ست سنوات لم تنطفئ فيها، وعشت في ألمانيا قرابة سنة لم تنطفئ فيها لحظة واحدة، وهكذا الحال في بقية العالم المتقدم الذي عرف قيمة الكهرباء وحيويتها للحياة البشرية ولتحقيق التطور لشعوبها.
كان الله في عون أهلنا في عدن التي عانت وتعاني منذ اكثر من عقد ونيف مالم تعان منه اية مدينة أخرى وهي التي عرفت الكهرباء قبل الكثير من المدن التي تنعم بالكهرباء اليوم ولاتعاني مما تعاني ويعانون !!