


الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات :
تصاعدت حدة المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في مناطق جنوب كردفان، التي تشهد معارك ضارية عقب سيطرة الأخيرة على بلدة برنو وتطويقها مدينتي كادوقلي والدلنج المحاصرتين لأكثر من عامين.
في المقابل، شن الجيش السوداني، وفقاً لمصادر عسكرية، غارات جوية مكثفة على مواقع "الدعم السريع" ببلدة برنو لمنعها من التقدم باتجاه كادوقلي والدلنج، وألحق بها خسائر في الأروح والمركبات القتالية.
وأشارت تلك المصادر إلى أن "الدعم السريع" واصلت حشد قواتها القادمة من دارفور وغرب كردفان إلى مناطق شمال كردفان بهدف استهداف مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان التي تعد نقطة إمداد رئيسة تربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور، وذلك من أجل السيطرة عليها.
يعد إقليم كردفان إحدى بؤر القتال، إذ يضم ثلاث ولايات (شمال وغرب وجنوب) غنية بالنفط والذهب والأراضي الزراعية، وتشكل حلقة وصل بين مناطق سيطرة الجيش في الشمال والشرق والوسط وإقليم دارفور، الذي تسيطر عليه قوات "الدعم السريع" منذ نهاية أكتوبر الماضي.
تسببت هذه المعارك الطاحنة في ولايات كردفان الثلاث في موجات نزوح كبيرة باتجاه المناطق الآمنة نسبياً داخل الإقليم وخارجه، في حين ارتفعت أسعار السلع الغذائية بصورة متسارعة، حيث شهدت أسواق مدينتي كادقلي والدلنج زيادات تفوق الـ100 في المئة، بينما بلغت بعض الأسعار مستويات تفوق 1000 في المئة مقارنة بما قبل الحرب.
وبحسب شهود، فإن بعض السلع بدأت تختفي من الأسواق مثل الذرة التي باتت شبه منعدمة في الأسواق لأيام عدة، بسبب إغلاق طرق الإمداد وتكثيف المضايقات على التجار، فضلاً عن نقص حاد في السيولة النقدية، نظراً إلى إغلاق فروع المصارف في بعض ولايات كردفان، مما جعل المواطنين يلجأون إلى مقايضة البضائع.
في محور دارفور لقي أمس السبت ما لا يقل عن 10 أشخاص حتفهم جراء غارة جوية نفذتها طائرة مسيرة استهدفت سوق منطقة المالحة بولاية شمال دارفور.
ودان مجلس غرف طوارئ شمال دارفور في بيان بشدة القصف الذي استهدف سوق الحارة بمحلية المالحة، مشيراً إلى أن الهجوم أسفر عن اندلاع حرائق في عدد من المحال التجارية وتسبب في خسائر مادية كبيرة.
وأشار البيان إلى أن استهداف الأسواق المكتظة بالأبرياء يمثل جريمة نكراء وتصعيداً خطراً ضد المدنيين، وناشد المنظمات الإنسانية والطبية بالتحرك العاجل لإسعاف الجرحى وتدارك الموقف.
وتقع المالحة على بعد نحو 210 كيلومترات شمال مدينة الفاشر على الحدود السودانية - الليبية، وتخضع لسيطرة قوات “الدعم السريع” منذ مارس الماضي، بعدما انسحب الجيش وحلفاؤه من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة إلى شمال السودان.
وكانت البلدة، التي تتمتع بموقع استراتيجي في إقليم دارفور وملتقى طرق بين الدبة شمالاً وحمرة الشيخ شرقاً، تعرضت في وقت سابق لغارات جوية نفذها سلاح الجو التابع للجيش، استهدفت شاحنات إمداد قادمة من ليبيا، في ظل استخدام "الدعم السريع" للمنطقة كمركز لوجيستي للإمدادات القادمة من شرق ليبيا.
في الأثناء، أكدت شبكة أطباء السودان إفراج قوات "الدعم السريع" عن 9 من الكوادر الطبية الذين كانوا محتجزين بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وبينت الشبكة في بيان أن المفرج عنهم كانوا ضمن 73 من الكوادر الطبية جرى احتجازهم في وقت سابق داخل سجني دقريس وكوبر، مشيرة إلى أن المعلومات المتوفرة حتى الآن لا تكشف عن أي تفاصيل حول أوضاع بقية المحتجزين أو أماكن وجودهم.
ونوه البيان بأن عملية الإفراج تمت من دون إعلان رسمي، وفي ظل تعتيم واسع على أوضاع الاحتجاز، مما يزيد من مخاوف الأسر التي لا تزال تجهل مصير أبنائها.

ورحب البيان بخطوة الإفراج، واعتبرها تطوراً إيجابياً، لكنه شدد على أن هذه الخطوة تظل غير مكتملة ما لم يتم إطلاق سراح جميع الكوادر الطبية والمدنيين المحتجزين، وضمان سلامتهم وحقوقهم الأساسية.
ومنذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في الـ15 من أبريل 2023، أسرت قوات "الدعم السريع" أعداداً كبيرة من القوات النظامية، واعتقلت مدنيين وتجاراً ورجال أعمال وسياسيين.
من جهته أعلن والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة حظر نقل السلع والبضائع عبر الحدود الغربية للولاية بموجب أمر طوارئ.
وحدد القرار عقوبة لكل من يخالف أحكام أمر الطوارئ بالسجن لمدة لا تقل عن خمسة أعوام، والغرامة 12 مليون جنيه سوداني (3 آلاف دولار أميركي)، مع مصادرة السلع والبضائع ووسيلة النقل وأي مواد أخرى، وفي حالة عدم السداد السجن لمدة ستة أشهر أخرى.
ويأتي هذا القرار في إطار مساع لتجفيف خطوط إمداد السلع الغذائية والدوائية إلى المناطق الواقعة على الحدود بين ولايتي الخرطوم وشمال كردفان، والتي لا تزال تشهد انتشاراً كثيفاً لقوات "الدعم السريع"، بخاصة في مناطق أم قرفة وجبرة الشيخ، وعلى امتداد طريق الصادرات الرابط بين أم درمان – بارا وصولاً إلى تخوم مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.
ومن المتوقع أن ينعكس هذا القرار سلباً على الأوضاع المعيشية لما تبقى من المواطنين في المناطق الشمالية من شمال كردفان، الذين يعتمدون بصورة رئيسة على الإمدادات الغذائية والدوائية القادمة من ولاية الخرطوم.
وفي الـ25 من نوفمبر الماضي أصدر والي الولاية الشمالية، عبدالرحمن عبدالحميد، قراراً مماثلاً قضى بمنع نقل السلع والبضائع إلى مناطق تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" في كردفان ودارفور.
سياسياً، توجه رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس إلى مدينة نيويورك للتشاور مع الأمم المتحدة حول الحرب والسلام والعمل الإنساني.
وتعد هذه الزيارة الثانية من نوعها خلال فترة وجيزة، إذ ألقى كلمة السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وهي خامس جولاته الخارجية بعد مصر والسعودية وإريتريا منذ توليه منصبه في يونيو الماضي.
وقالت وكالة الأنباء السودانية إن "إدريس توجه إلى نيويورك، في مهمة تتعلق بتعزيز العلاقات والتعاون والتشاور مع مسؤولين بالأمم المتحدة".
وأوضحت أن الزيارة تشمل استكمال الحوار والمباحثات حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة المتعلقة بتداعيات الحرب وآفاق السلام والعمل الإنساني.
.jpg)
وتأتي هذه الزيارة في إطار تحركات دبلوماسية تهدف إلى تنشيط التواصل الدولي، ودعم المساعي الرامية إلى تحقيق الاستقرار، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات الأممية في الملفات الإنسانية والتنموية.
ومن المنتظر أن يجري رئيس الوزراء خلال الزيارة لقاءات مع عدد من المسؤولين الدوليين، لبحث سبل دعم السودان في المرحلة المقبلة، والتنسيق في شأن أولويات التعاون المشترك.
ومنذ منتصف أبريل 2023 يشهد السودان حرباً بين الجيش و"الدعم السريع" أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص وانتشار المجاعة على نطاق واسع.
