الموقع الجغرافي والثروة وأهداف السيطرة على جزر حنيش



14 أكتوبر/ خاص :
نجمي عبدالمجيد:
لم يكن هجوم القوات البحرية الاريترية على جزيرة حنيش بتاريخ 15 ديسمبر 1995م مجرد حادثة عابرة بل هي محاولة أولى لوضع القوات البحرية اليمنية في موضع الاختبار القتالي في الدفاع عن الجزيرة التي سقطت في يد تلك القوات، حيث كان واقع قوات اليمن عسكريا مجرد تسليح خفيف ما يوضح ضعف هذه القوات في موقع تعد فيه جزيرة حنيش الكبرى جزءاً من ارخبيل حنيش الواقع على بعد 65 ميلاً تقريباً شمال ممر باب المندب.

- السيادة على جزر حنيش مسألة لها خطورتها على اليمن والساحل الأفريقي
- مع تصاعد حرب البحر الأحمر في الراهن تصبح تلك الجزر في مرمى الأهداف العسكرية والشركات العالمية
- في جنوب البحر الأحمر حقول نفط وغاز بكميات تجارية مما يجعل هذا المكان محط صراع بين القوى الكبرى والمحلية
- في السياسة عندما تتحرك الأزمات يتحرك معها السلاح وتصبح القوة هي القرار المفروض

وقد حددت المعلومات الجغرافية وضع جزيرة حنيش الكبرى بما يلي : تبلغ مساحة هذه الجزيرة حوالي 90 كيلو مترا مربعا وهي جزيرة صخرية وتمتد بها سلسلة جبلية على مدى طولها وتنتشر حولها أكثر من 8 جزر صغيرة بركانية التكوين بالاضافة إلى وجود كثير من الشعاب المرجانية التي تعيق الملاحة البحرية حولها ولا يوجد بهذه الجزيرة اي فنار وتقع على خط عرض 44 ـ 13 شمالاً ـ خط طول 45ـ 42 شرقاً.
أما باب المندب فقد وضع تحديده الجغرافي الهام في هذا الاطار هو نقطة الاختناق الرئيسية ومفتاح المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
حيث تتحكم في مدخل هذا المضيق جزيرة ميون كما يسميها المؤرخون العرب ويطلق عليها الأجانب بريم، وهي تقسم مضيق باب المندب إلى ممرين شرقي ويعرف باسم باب الاسكندر، وغربي ويسمى ممر ميون، لذلك يتكون هذا المضيق من قناتين منفصلتين احداهما هي الصغرى وعرضها 3 كم وعمقها نحو 26 مترا، والأخرى وهي القناة الرئيسية ويبلغ اتساعها 20 كيلو مترا أو 11 ميلاً وعمقها نحو 300 متر، أما طول مضيق باب المندب 55.5 كيلو متر أو 30 ميلاً وكانت البحرية البريطانية قد حددته شمالاً من جزيرة ذو باب في الساحل الشرقي ورأس باهانا في الساحل الغربي وجنوباً يحدد برأس سي ـ أني في الغرب. كما ان المنظمة البحرية الدولية ايمو حاولت تحديد ممر لعبور السفن من الشمال والجنوب وحددتها بمسافة 4 أميال أو 7,4 كم وعمقها 100 فاثوم وهو مقياس بحري للقامة.
كل هذه المعلومات تدل على ان تحرك القوات البحرية الاريترية نحو جزيرة حنيش ما كان إلا خطوة أولى نحو أهداف قادمة تظهر في واقع اليوم.
فلم تكن ارتيريا إلا مجرد واجهة المخطط، بل هناك من ذكر بأن قوات من يهود الفلاشا هم من داخل الجزيرة وحين ننظر إلى خارطة الوجود الاسرائيلي في عدة مناطق في افريقيا ندرك ان الأمر ليس مجرد عبور عابر في جزيرة حنيش.
في هذا الجانب تطرح هذه الفرضيات منذ عقود سابقة وقد جاء في بعضها ما يلي: (تعمل إسرائيل على فرض وجودها البحري في مياه البحر الأحمر وهي في نفس الوقت عنصر الاضطراب والقلق ليس فقط في سلام وأمن المنطقة ولكن ايضاً في استقرار واقتصادية كل شبكة النقل العالمي المرتكزة على منافذ البحر الأحمر، وتعمل بكل قواها على ان تكون هي المستفيد الأول من كل ضرر اصاب المنطقة أو يصيبها. وادراكاً منها لأهمية العمق الاستراتيجي لكيانها وارتباطه العضوي بأمنها وقدرتها على التوسع العسكري المستقبلي بذلت إسرائيل خلال الستينيات جهودا مضنية في سبيل تعزيز علاقاتها الأفريقية وبالذات في الشرق الأفريقي المطل على البحر الأحمر باعتباره ممراً مصيرياً بالنسبة لها.
أما من الناحية العسكرية فقد سمحت الحكومة الاثيوبية لاسرائيل ببناء مدرسة عسكرية في مدينة دقي امحري، وكذلك قواعد حربية في الجزء الغربي من ارتيريا وأهم هذه القواعد قاعدتا رورا حباب ومكهلاي وهي تقع بالقرب من الحدود الارتيريةـ السودانية وتقوم الطائرات الاسرائيلية بالطيران المباشر بين هذه القواعد وتل ابيب. كما اشارت مصادر فرنسية عليمة ان اثيوبيا قد سمحت لاسرائيل ببناء قاعدة جوية في جزيرتين اريتيريتين عند مضيق باب المندب وهما جزيرة حالب وجزيرة فاطمة وتبعد هاتان الجزيرتان حوالي 50 ميلاً عن مضيق باب المندب كما ان اسرائيل تعتبر اسمرة ـ تحت السيادة الاثيوبية ـ مركزاً افريقياً لمخابراتها حيث تنطلق من هناك توجيهاتها لكل الذين يتعاملون معها في الدول المطلة على البحر الأحمر وخاصة الدول العربية منها).
مهد الماضي لن يكون بعيداً عن صراع الحاضر. لقد ادركت اسرائيل منذ عقود بعيدة ان منطقة البحر الأحمر مجال حيوي لمشروع نفوذها الذي يصل إلى خليج عدن وما صراع اذرع ايران في اليمن مع اسرائيل إلا ناتج عن مخطط التمدد لكل منهما في هذه المنطقة.
وهنا تظهر مسألة اقتصادية هامة في هذا الموضوع هي حضور الثروات في جزر البحر الأحمر وهو ما غفلت عنه كل الحكومات اليمنية منذ قيام النظام الجمهوري.
الموقع الجغرافي ليس هو المفرد في دائرة الصراع وان صار له حسابات القوة العسكرية بل ما يوجد في عمق هذه المواقع من خزان مالي سوف يلعب دوره، وهو ما يفرض اليوم في معادلة هذه الحرب بعدما اصبحت اسرائيل صاحبة تحركات وصدامات مع جماعة الحوثي.
نشر الخبير الأمريكي جيفري ـ أ ـ لفيفر عام 2001م دراسة حول الأهداف الارتيرية نحو جزر حنيش ومما قال: (لابد ـ اخيراً -من الاشارة إلى النفط الذي يمثل هو الآخر جانباً من جوانب النزاع على جزر حنيش. ولئن لم تكتشف حتى اليوم اية كميات يمكن استثمارها تجارياً من النفط أو الغاز الطبيعي البعيد عن الشاطئ في جنوب البحر الأحمر، فان هناك من يعتقد بناء على ملاحظة الصخور التي تبدو عليها آثار تضخ النفط في المنطقة وعلى حقيقة ان البحر الأحمر فيه كمية كبيرة من النفط.
لكن حتى إذا صح وجود النفط هناك فقد يصعب استغلاله نظراً لعمق البحر وحرارة قاعه المرتفعة فلم يحفر حديثاً سوى بضع آبار فقط في البحر الأحمر ولذلك فان اليمن وارتيريا ترفضان التخلي عن حقوقهما حتى يفصل فيها الحكم النهائي وذلك بسبب من توقعات وجود النفط.
وقد ارتفعت وتيرة التوتر في المنطقة بسبب تنازع ارتيريا واليمن على بعض حقول التنقيب التي تداخلت في مناطق معينة من البحر الأحمر وشملت المياه الاقليمية لجزر حنيش أو الجزر نفسها.
ففي 28 سبتمبر 1995م وقعت ارتيريا عقد تنقيب على أساس المحاصصة في الانتاج مع شركة انا دار كو النفطية التي تعد واحدة من أكبر الشركات الأمريكية المستقلة للتنقيب عن النفط والغاز ولإنتاجهما، وقد منحت ارتيريا حقوق التنقيب عن النفط والغاز لانا داركو في منطقة بعيدة عن الشاطئ تبلغ مساحتها 607 مليون اكر، تسمى حقل زولا. حيث تخطط الشركة لاستثمار ما لا يقل عن 28,5 مليون دولار خلال فترة زمنية مدتها سبع سنوات. وبالرغم من أن حقل زولا يبعد بعداً كافياً عن جزر حنيش شمالاً، فإن ما يثير قلق ارتيريا واليمن واناداركو هو أن المنطقة الجنوبية الشرقية منه تضم أجزاء صغيرة من منطقتي التنقيب اليمنيتين: حقل 23 أنتفش، وحقل 24 الخطيب.
إن تحديد ارتيريا حقل زولا ومنحها حق الامتياز لشركة اناداركو، في الوقت الذي كانت فيه أعمال الإنشاء اليمنية على قدم وساق ربما كان مخططاً له مسبقاً، وذلك لتدعيم دعوى ارتيريا بحقها في جزر حنيش. بيد أن ارتيريا ـ منذ إحالة النزاع إلى التحكيم ـ قد التزمت جانب الحذر، وتجنبت الاستفزازات التي لا ضرورة لها.
ثم وقعت ارتيريا في 26 سبتمبر 1997م اتفاقاً آخر مع أناداركو للتنقيب في حقل إد، وهو منطقة تبلغ مساحتها 203 مليون أكر، وتخطط أنا داركو لاستثمار 23 مليون دولار فيها، على مدى خمس سنوات.
ومجمل ما تخطط أنا داركو لاستثماره في مشروعها التنقيبي في تسعة ملايين أكر في البحر الأحمر سيتجاوز 51,5 مليون دولار، وقد حدد في البداية مطلع 1998م موعداً لبدء التنقيب، لكن لا يتوقع أن يبدأ الحفر قبل يونيو 1998م. وبالرغم من تداخل حقل إد مع حقل 24 خطيب اليمني في المياه الغربية والشمالية الغربية من جزر حنيش، فإن اسمرا بتحديدها حقل إد، تكون استردت الحدود الشرقية من حقل الدناكل السابق منحته اثيوبيا لشركة أموكو في 1989م الذي كان يضم حنيش الكبرى).
أما موقف إسرائيل من هذه الأزمة فقد فسرها نفس الباحث بهذه المعلومات وهي تدل على أسلوب هذه الدولة في قياس حسابات صراع المصالح حين تكون لها يد فيها حيث يقول: ( أما رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز فقد سعى إلى طمأنة صنعاء برسالة شخصية بعث بها إلى صالح، الذي سلمها إليه ـ في 29 فبراير 1996م ـ اثنان من أعضاء الكنيست من عرب إسرائيل كانا في زيارة لليمن. وقد عرض بيريز قيام اسرائيل بمساع حسنة لحل النزاع، في حال إخفاق الوساطة الفرنسية في ذلك).
لم تقف أزمة جزيرة حنيش عند هذه الحدود السياسية، بل سعت كل من فرنسا وأمريكا إلى الإحاطة بما لهما من تنافس وحضور في منطقة هي مدار الصراع الإقليمي والدولي.
في منتصف فبراير 1996م جاء إلى صنعاء فريق الوساطة الفرنسي، برئاسة شخصية تعد من كبار رجال العلاقات الخارجية في حقل الدبلوماسية وهو فرانسيز جوتمن مع وفد من حكومة فرنسا.
لكنه أدرك سريعاً أن الخلاف بين أسمرا وصنعاء على اشده وبالذات حول تحديد منطقة النزاع.
تقول ارتيريا: إن الصراع يشمل كل جزر حنيش. أما صنعاء فترى الموضوع محصوراً في جزيرة حنيش الكبرى.
أما الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس كلينتون فقد رحبت بجهود فرنسا، لكنها لم تغفل رغبة فرنسا في مد النفوذ الاقتصادي عبر شركة توتال في التنقيب عن الغاز والنفط وتوسعها في جنوب البحر الأحمر.
ومنذ منتصف عام 1994م عملت فرنسا على ربط تحركاتها من اليمن حتى السودان في هذا الجانب.
هناك من نظر إلى فرنسا، في الإدارة الأمريكية ، على أنها تسعى لأخذ موقع أمريكا في هذا المجال. إذ تبدو المصالح التجارية لفرنسا في موقف مؤيد لحكومة فرنسا وقواتها الحربية في منطقة البحر الأحمر فقد يفهم الموقف في المنطقة على أساس امتلاك فرنسا القوة القتالية، وأرادت استخدامها لغرض حماية الصفقات التجارية الموقع عليها مع الشركات الفرنسية من التهديدات الداخلية والخارجية .
من جانب آخر يضع هذا الأمر المصالح الاقتصادية الأمريكية في موقف الخاسر من ثروات هذه المنطقة في اليمن والتي هي تحت سيطرة الشركات الغربية والبنوك الكبرى .
وعن حضور إسرائيل في المحور العسكري يقول جيفري لفيفر: (فإن إسرئيل وحدها هي التي تملك القدرة على فرض القوة في جنوب إقليم البحر الأحمر، على المدى الطويل، غير أنها مقيدة بالأحوال السياسية التي يفرضها الصراع العربي الإسرائيلي. ولئن رحبت ارتيريا بدور عسكري إسرائيلي في المنطقة في ظل الظروف القائمة، فإن اليمن ستضطر إلى معارضته.
إن موقفاً أمنياً مثيراً للاهتمام قد نشأ في الجنوب من إقليم البحر الأحمر فليس بإمكان ارتيريا ولا اليمن تحمل الاكلاف المالية للدخول في سباق تسلح بحري لبناء قوات قادرة على الدفاع عن حقوقهما البحرية. كما أن أي دور عسكري أكبر، لدول شمال البحر الاحمر).
في الراهن وبعد ما وصلت الأوضاع في اليمن إلى هذا المستوى من الأزمات المدمرة، فإن قضية هذه الجزر والممرات البحرية سوف تدخل من مشاريع الهيمنة للقوى الخارجية والتي يمكن اعتبار حادثة احتلال جزيرة حنيش الكبرى مجرد خطوة أولى كان الغرض منها معرفة قدرة اليمن في قضايا الدفاع عن حدودها.
اليوم هي خارج مقدرة السيادة لأن التفكك الذي عصف بما كان موجوداً من شكل الدولة قد ذهب منذ عام 2015م. فلم تكن حرب جماعة الحوثي التي توسعت من المناطق البرية إلى المنافذ البحرية وقدمت الفرص للقوى الكبرى في التدخل في شؤون هي في العرف الدولي من مهام الدولة. قد أصبحت في متناول مشاريع خارجية تعيد رسم خرائط المنطقة.
بل تضع سيادة الغير على جغرافية فقد حضورها بعدما أصبحت مجرد مربعات مقسمة على حدود الحروب والمواجهات.
وهنا تطرح تساؤلات وهي تنطلق من تحديات فاعلة في صعود مراكز قوى سياسية وسقوط غيرها.
هذا ما يعمل على خلق الأرضية الرخوة التي يصبح معها من الصعب ترسيخ قوى واحدة في المشهد، لأن الأطراف المتصارعة لن تسمح بتسيد طرف على حساب منطق مغاير. وهذا ما يفتح أبواب الاحتمالات على كل المفارقات التي قد تذهب بهذا المكان نحو حالات التصدع المستمرة.
المراجع:
1ـ المركز العربي للدراسات الإستراتيجية.
الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية للصراع على جزر حنيش.
الباحث الأمريكي: جيفري أ. لفيفر. العدد - 6 - ابريل 2001م.
2ـ البحر الأحمر ومضايقه بين الحق العربي والصراع العالمي.
الدكتور: اجيه يونان جرجس
مكتبة الغريب القاهرة 1977م.
3ـ الجزر اليمنية في البحر الأحمر
الدكتور: عبدالله علي بورجي
منشورات: 26 سبتمبر ـ دون تاريخ
