ربما أن اللحظة الوحيدة التي لم تلتقطها عدسته، وتوثقها هي لحظةرحيله! ربما انه لايحب إلا تصوير اللحظات الجميلة في الحياة.
غاب صاحب الكاميرا، خالد بن عاقلة الذي وثق ليس المكلا بعدسته فقط، بل كل ناحية في حضرموت ساحلاً ووادياً.
منذ هذه اللحظة لن يكون بوسعه تسجيل اللحظات الجميلة التي اعتاد على التقاطها بعينه قبل عدسته ومنحها إحساسا قوياً بالحياة، لالتصبح مجرد صورة تعجب المشاهدين، بل لكي تبقى جزءًا من تاريخ مدينة، ونبض وطن.
عشق خالد بن عاقلة الكاميرا، صارت بالنسبة له ليست مهنة، بل قلبه وحواسه واصابعه الملتصقة بالكاميرا، عينه التي يرى بها الأشياء، ويفض بها أسرار اللحظة التي تتحول إلى ذاكرة يرى المشاهدون بهاالمدينة التي شغف بها..المكلا. والمكلا فيها كل ماهو مغرِِ لفنان بحساسية خالد بن عاقله وعدسته، كما عشقها احمد عبدالله باجنيد. والمكلا بحر وبشر..والمكلا رجال وجبال وجمال.والمكلا حركةوحياة، والمكلا تلك الأشياء والتفاصيل الصغيرة التي تنبت وتكبر في قلوب الساكنين، وتزهر..مدينة كأنها تسبح على صفحة الماء تحف بها الجبال من الخلف وتحضنها الأمواج من الأمام فتبدو كأنها لؤلؤة نبتت بين الصخر والماء. هكذا يصفها عاشق آخر للمكلا، هو محمد عمر كرامان: “كانت مبانيها البيضاء ترتفع بشموخ على امتداد الساحل مصفوفة كأنها تحرس المدينة ونوافذها تتنفس الضوء والملح والنسيم. في النهار تتلألأ واجهات البيوت بفعل الشمس وفي الليل يلامسها ضوء القمر فتبدو كأنها تحكي حكايات من زمن بحري قديم زمن المواويل و الأهازيج البحرية..”.
يوم السبت قبل الماضي الماضي، مساءً، رحل المصور الصحفي خالد بن عاقلة دون أن يوثق لحظة رحيله..سيترك هذه اللحظة الحزينة، لحظة موته ليوثقها سواه، بالكلمات التي ربما مهما بلغت من البلاغة لن تكون بنفس حزن الرحيل، ولا بحساسية عدسته. ومن أقدر من عوض سالم بن ربيع زميله في صحيفة الشرارة منذ إطلالته الأولى على عالم الصورة على تسجيل ( (عدسة مليئة بالدموع..) والذكريات؟...:
“ملأ حياتنا مرحاً وحباً، صورة وكلمة. أحب المكلا بعدسته كما أحبها أحمد عبدالله باجنيد.لم تك المكلا هاجسه الأوحد بصوره العتيقة.بل كل ناحية في حضرموت ساحلا وواديا. عرفتُ خالد بن عاقله رحمه الله في صحيفة الشرارة. وهذه الصحيفة انطلقت منها شرارتنا الأولى خالد والعبدلله وزملاء آخرون. خالد لايرى بضم الياء إلا حاملاً عدسته لم يحد عنها ظل عاشقا لها وبها صور بتشديد الواو أجمل اللحظات لأن خالدا أحب اللحظات الجميلة. أحب أنداء الصباح وقطرات الندى كما أحبها قبله عاشق الصباح المكلاوي سند بايعشوت رحمهما الله. هو ابن عاقلة. أخذ بيد الناشئة. علمهم كيف يتم التقاط الصورة من زوايا مختلفة. من زاوية الحب. من زاوية العشق. هو واحد من أعمدة التصوير الصحفي في حضرموت. عضو اتحاد المصورين العرب. كانت الصورة الفوتغرافية هي خارطة حياته وكل الأرض بالنسبة إليه. ماذا تعني الصورة لخالد. تعني مباهج الحياة وسوءاتها. وحتى حين تقدمت به السن ظل عاشقاً للصورة. فكان يرحمه الله من مؤسسي معرض الصور بجانب مؤسسة دار باكثير للطباعة بالمكلا. الصورة لدن ابن عاقلة تعني مراحل وإنجازات وخطوات. هذه الخطوات رصدها خالد بعدسته العتيقة، عتاقة الزمن المكلاوي العتيق. صورة لسوق مسجد عمر بالمكلا قبل نصف قرن. رجل لأرشفة الصورة عنده ألف معنى في فؤاد المعنى. لأن الأخيرة تغني عن 1000 كلمة. أبومعتز لم يك مصوراً فحسب بل راصد بامتياز لحركة الناس والحياة. لحركته المتعبة وهو يجرجر ساقيه من مكان الى امكان لأن خالدا لايحب التواني والتكاسل. قبل أن يترك لنا ابن عاقلة أرتالاً من الصور ترك لنا وردة الحب الصافي. هذا الحب وهذا العشق ودعناه يوم 30 أغسطس 2025. لم تطو صفحة خالد ستظل باقية بإذن الله لكن الشيء الوحيد أن عدسته ستبقى مليئة بالدموع كما تقول أحلام مستغانمي “.
نعم.. انها اللحظة الوحيدة التي نترك لغيرنا أن يوثقها...