أزمـــة ميـــاه تعـــانــي منــها مدينـــة تعــــز



- مواطنون: كنا نعتمد على خزانات السبيل في الحصول على ماء الشرب
- أصحاب البقالات استغلوا الأزمة ورفعوا سعر «دبب» الماء إلى (700) ريال
- المشكلة لم تعد تقتصر على الغلاء بل تفاقمت الأمور مع أزمة مياه الشرب

14 أكتوبر/ خاص:
تشهد مدينة تعز اليمنية أزمة خانقة، فمنذ أكثر من أسبوع وأنا وأسرتي نشرب من الماء العادي( المالح ) بعد اختفاء الماء الصالح للشرب والذي كان يأتي به فاعل الخير إلى الحارة، فخلال هذا الشهر ارتفع سعر القنينة سعة عشرين لترًا من (300) ريال إلى (700) ريال، أما اليوم فسعرها (1200) وقد يزيد عن هذا مع اختفائه من بقالات أغلب الحارات.
هكذا بدأ المواطن سعيد أحمد فضل البالغ من العمر ( 35عامًا) حديثه لصحيفة 14أكتوبر ووصفه لأزمة مياه الشرب التي تفاجأ بها سكان مدينة تعز الذين لم يتأقلموا بعد مع أزمة مياه الاستخدام وأزمة الغاز المنزلي.
ومنذ أشهر تعاني المدينة من أزمة مياه الاستخدام والتي يطلق عليها السكان مصطلح الماء المالح، ولم تحل أزمة مياه الاستخدام حتى تفاجأ السكان بأزمة مياه الشرب والتي يُطلَق عليها مصطلح الماء الحالي، والتي اختفت من كثير من الحارات وسط ازدحام كبير وطوابير طويلة أمام البقالات التي توفر هذا الماء ما دفع التجار إلى رفع سعر القنينة سعة 20 لترًا إلى (1200 ) ريال.
ويضيف سعيد: كنا نعتمد على خزانات السبيل في الحصول على ماء الشرب فقد كان يأتي للحارة في الأسبوع مرتين ويسمح لكل أسرة تعبئة قنينتين سعة عشرين لترًا في كل مرة يأتي بها الماء للحارة وقد كان هذا يكفينا طوال الأسبوع.
واشار سعيد: منذ بدء إجازة عيد الأضحى بدأ ماء الشرب يختفي عنا، وقد كنا نظن أن القائمين على الماء في إجازةٍ عيدية لكنا صدمنا عندما مرت إجازة العيد ولم يظهر الماء والمشرف على الماء أخبرنا أن صاحب الوايت ” قد توقف عن جلب الماء دون مزيد من التوضيح.
واوضح سعيد: هذا الأمر دفع الكثير منا إلى الاعتماد على البقالات والشراء منها وهذا ما دفع أصحاب البقالات إلى رفع السعر إلى 700 ومن ثم إلى 1200 ريال، نتيجة الإقبال الكبير على الشراء منهم.
واختتم سعيد حديثه قائلاً: إن ارتفاع سعر قنينة الماء بهذا الشكل أدى إلى توقف الكثير من الأسر عن شراء ماء الشرب والاعتماد فقط على الماء العادي في الشرب والاستخدام والجميع يعلم أن هذا قد يُحدث كوارثَ صحية لكنهم مضطرون إلى استخدام هذا الماء رغم ثقله في الحلوق أثناء الشرب لكن إضافة قطع الثلج له تجعله مرغوبًا نوعا ما.
حربٌ على المواطن
ويقول اسامة عبد الباسط العقلاني: هذه الأزمات المتلاحقة التي تنزل على المواطنين داخل هذه المدينة لم تعد طبيعية ولكن وراءها شيء مريب فالصمت الذي تتحلى به السلطة المحلية أصبح مزعجًا للجميع، هذه حرب على المواطن، اليوم نحن نحَارب في لقمة عيشنا وفي قطرة الماء التي نشربها إلى متى يمكننا أن نصبر؟ فلم نعد نقوى على حمل كل هذا العناء .
وتحدث العقلاني: نريد من السلطة المحلية أن توضح أسباب هذه الأزمات المتتالية وأن تعمل على وضع حلول جذرية لها على الأقل يكفينا الغلاء المعيشي الذي يزيد في كل مرة نحن لا تنقصنا أزمات، نحن تنقصنا قيادة حقيقية تستشعر مسؤوليتها تجاه المواطن وتعمل على إعانته لا على قتله ببطء. نحن لسنا قادرين على حمل كل هذا العناء ولا يوجد لدينا دخل يكفي كل هذا الغلاء في كل الجوانب.
كارثة إنسانية مركبة
في السياق يؤكد الناشط الإعلامي صادق المليكي أن الحياة في مدينة تعز أصبحت لا تُطاق، فالراتب لا يكفي لتأمين أبسط الاحتياجات اليومية والأسواق تشتعل أسعارها بلا حسيب ولا رقيب، بينما السلطة المحلية تقف موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها.
ويضيف المليكي: في تعز لم تعد المشكلة تقتصر على الغلاء بل تفاقمت الأمور مع أزمة مياه الشرب إذ تم إيقاف محطة المياه الرئيسة دون مبرر واضح، ما أدى إلى انعدام الماء من البقالات تمامًا وظهور محاولات لفرض تسعيرة باهظة على مياه الشرب بسبب انعدامها ووجودها في أماكن متباعدة خاصة، يتحكم بها متنفذون.
وتساءل المليكي: أين الضمير أين المسؤولية أين الأمانة أين العهود التي قطعها المسؤولون على أنفسهم عندما استلموا المناصب؟ نحن اليوم نختنق تعز تموت عطشًا، لمصلحة من؟ ومن المستفيد من كل هذه الأزمات ؟وما النهايات التي يريدونها لأبناء تعز الأحرار المكافحين الصابرين؟ نرجو أن نجد إجابات شافية ونرى تحركًا على الأرض وليس تصريحات هنا وهناك.
وأشار المليكي إلى أن كثيرا من العائلات اليوم أصبحت عاجزةً عن تأمين مياه نظيفة للشرب وهو ما يعرِّض صحة المواطنين وخاصةً الأطفال وكبار السن لمخاطر كبيرة ولهذا نحن لا نطلب رفاهية كبيرة من المسؤولين لكنا نطلب فقط ماءً نظيفًا للشرب.. فهل هذا كثير.
وأكد أن الوضع وصل إلى مرحلة حرجة؛ إذ يُجبر المواطن على الانتظار لساعات أو التنقل لمسافات بعيدة بحثًا عن مياه قد لا تكون آمنة في ظل غيابٍ كاملٍ للرقابة الصحية أو الإنسانية.
واختتم المليكي تصريحه قائلًا: لسنا بحاجة إلى شعارات بل إلى أفعال، الناس تموت عطشًا في تعز، بينما السلطة المحلية غائبة تمامًا أو تتجاهل هذه الكارثة وكأن المواطن لا قيمة له نحن نريد حلولًا حقيقية تلامس الواقع لا وعودًا تذروها الرياح.
تعز ضحية العبث السياسي
بدوره يقول صادق العامري الذي يعمل ناشطا حقوقيا ومجتمعيا ان مدينة تعز ينام سكانها على أزمة ويستيقظون على أخرى. مدينة تعز اليمنية لم تعد ضحيةَ الحوثي وحده بل باتت ضحية منظومة متكاملة من العبث السياسي وتحالفات خفية وصراع نفوذ ينهشها من الداخل والخارج.
وأضاف العامري: لم تتعافَ المدينة من أزمة مياه الاستخدام حتى دخلت في أزمة الغاز ولم تحل أزمة الغاز حتى جاءت أزمة خانقة في مياه الشرب وهذه الأخيرة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة إذ يعتمد آلاف السكان على صهاريج المياه وبأسعار باهظة فيما تفتقر أغلب الأحياء إلى مصادر مياه آمنة.
وأردف العامري: أزمة المياه لم تعد إنسانية فقط بل باتت تهدد الاستقرار الصحي والاجتماعي في المدينة وعليه فإننا نؤكد على ضرورة تحرك عاجل من قبل الجهات الحكومية والدولية ونطرح مشروع تحلية مياه البحر وإيصالها إلى تعز كحل استراتيجي ومستدام يجب أن يحظى بالدعم والتمويل العاجل.
ولفت إلى أن تعز اليوم تعيش كارثة إنسانية مركبة وعلى رأسها أزمة المياه التي أصبحت جريمة منظمة برعاية سلطة محلية عاجزة لا وجود لديها لأي رؤية ولا أي إدارة حقيقية للموارد، والمواطن أصبح يُبتز حتى في شربة الماء.
واكد العامري: ما يجري في تعز اليمنية اليوم لم يعد مجرد اختلالات خدمية عابرة أو سوء إدارة معتاداً بل مسلسل مدروس من الأزمات المفتعلة يُدار بوعي كامل ضمن خطة أشبه بالترويض السياسي والاجتماعي لمدينة لم تُروض يومًا بعد يوم من انقطاع الغاز وشحة المياه وانهيار الخدمات إلى الطائرات المسيرة والقصف المباشر.
وواصل: نحن نطالب بتحقيق عاجل وشفاف ومحاسبة المتورطين في هذا التلاعب بالخدمات الأساسية نحن لا نريد مساعدات مؤقتة ولا مشاريع شكلية بل نريد مؤسسات حقيقية نريد أن نرى ميزانية المياه، نريد عدالة في التوزيع نريد إدارة مهنية مستقلة بعيدةً عن الفساد والمحسوبية.
واختتم العامري حديثه قائلاً: تعز اليمنية لا ينقصها الماء بل ينقصها رجال دولة لا تجار أزمات، وإن لم تتحرك الدولة الآن فليعلم الجميع أن صوت الشعب أقوى من كل تحالفات الفساد ولن يسكت الشعب طويلًا.
