تقف أوروبا اليوم على مفترق طرق استراتيجي. فميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تواصل تعطيل الملاحة التجارية في البحر الأحمر، مما يقوض القانون الدولي ويهدد أحد أهم الشرايين البحرية للاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية المباشرة، لا تزال استجابة أوروبا مجزأة ورد فعلية.
لقد كانت “عملية أسبيدس” خطوة نحو حماية المصالح البحرية الأوروبية، لكنها افتقرت إلى الثقل السياسي والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى اللازمة لمواجهة هذا التهديد المتواصل. لا يمكن لأوروبا أن تتعامل مع الحوثيين باعتبارهم مجرد مصدر إزعاج محلي؛ فهم ذراع لوكيل إقليمي أوسع تديره طهران، ويهدف إلى تغيير موازين القوى واختبار مدى صلابة موقف الغرب من أمن البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
إن هذا الإخفاق في إدراك التهديد الحوثي كمسألة تمس الأمن الأوروبي يعكس تردداً أوسع. فلا تزال أوروبا غير منخرطة بشكل كافٍ في الجهود الدولية للضغط على إيران ولجم أذرعها الإقليمية. ويضعف هذا التردد من قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير، سواء في الدبلوماسية الإقليمية أو في المفاوضات مع طهران بشأن الملف النووي.
هناك أيضاً مخاطر تشغيلية حقيقية. فالتنسيق المتزايد بين الحوثيين وشبكات إرهابية في القرن الأفريقي يهدد بإيجاد قوس من عدم الاستقرار يمتد من الخليج إلى شرق أفريقيا. ولا يهدد هذا التلاقي الملاحة فحسب، بل يفتح الباب أمام انعدام الأمن في مناطق تؤثر في سياسات الهجرة وتدفقات الطاقة وأولويات مكافحة الإرهاب.
اليمن ليست أزمة معزولة؛ بل هي تجسيد مصغر للتحديات التي تواجه السياسة الخارجية الأوروبية اليوم. وإذا كان الاتحاد الأوروبي جاداً بشأن الاستقلال الاستراتيجي والانخراط العالمي، فعليه الاستثمار في نتائج تحمي القانون الدولي، وتصون مصالحه، وتدعم الشركاء الشرعيين.
وهذا يتطلب أكثر من مرافقة السفن. بل يستوجب دعم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في استعادة السيطرة على الأراضي الوطنية وإنهاء التهديد الحوثي بوسائل سياسية واقتصادية، وعند الضرورة عسكرية. فلا يمكن تحقيق السلام طالما أن الحوثيين يحتفظون بالسيطرة الإقليمية والتمويل الخارجي ويتمتعون بالإفلات من العقاب.
فالرهانات عالية للغاية لترك مساحة للغموض. ويجب على أوروبا أن تتجاوز سياسة الاحتواء البحري نحو تبنّي موقف ردع شامل يبعث برسالة واضحة إلى طهران وحلفائها: النظام الدولي القائم على القواعد ليس قابلاً للمساومة.