غضون
* إذا كانت الوحدة الاندماجية بين جنوب اليمن وشماله غير قابلة للإنقاذ، وإذا كانت المركزية بيت الداء، فهل العودة إلى ما قبل 22مايو 1990 هي الحل؟ إني لا استطيع تصور الكيفية التي ستجرى بها عملية الانفصال، بل لا استطيع تصور حدوث ذلك، ولكني- مثل كثير من أهل هذا البلد- استطيع تصور حالة اليمن بعد الانفصال، وهذا ليس ضرباً من الكهانة، وانما هو تصور يستند إلى «سيناريوهات» يرسمها السياسيون الأكثر تفاؤلاً.. فلا الجنوب سيبقى كما كان ولا الشمال أيضا.. فكل منهما سوف يتجزأ إلى دول صغيرة مستقل بعضها عن بعض.. في الشمال هناك من يتحدث الآن عن دولة وسطى وعن جمهورية بحر أحمر تضم الحديدة وتعز وإب، وفي الجنوب هناك دعوة صريحة الآن لإقامة دولة حضرموت، وهناك سلاطين يتوقون لاستعادة سلطناتهم القديمة.. ولن يفعل اليمنيون بأنفسهم هذا الفعل، فهناك قوى خارجية سوف تساعدهم على إهلاك أنفسهم، وهذه القوى تتوق منذ زمن بعيد لتقسيم اليمن إلى دويلات ليس لأنها تهوى ذلك مجرد الهواية وانما لمصالح إستراتيجية تظنها مصالح حقيقية.* لنحل المشكلة حلاً صحيحاً.. وليس من الحل الادعاء أن الجنوب له هوية أخرى مختلفة، ومن المخزي التبرؤ من الهوية اليمنية الضاربة أطنابها في الأعماق الثقافية والتاريخية والجغرافية، ويفاخر بها عرب المشرق والمغرب لمجرد أن أصولهم تعود إلى يمن ما قبل الإسلام.الخيارات كثيرة، فلماذا نحاصر أنفسنا بخيار «إما.. وإما».. إما انفصال وإما دولة مركزية.. خيار الفيدرالية في ظل دولة مركزية مقبول.. كذلك خيار الأقاليم أكانت أربعة أو خمسة مقبول.. إلى جانب الأخذ في الاعتبار أن الجبال والبحار والموانئ البحرية والجوية تتقاسمها الأقاليم بالسوية.* المهم.. التفكير في إطار محددات مثل هذه مفيد ويجعل الحل أقرب.. أما تضييق الأمر إلى «إما.. وإما» فلن يزيدنا إلا مشقة.من ينكر اليوم أن «إما.. وإما» قد أحدثتا شرخا في العلاقة بين اليمنيين في الشمال والجنوب؟. «إما وحدة وإما موت» أسوأ شعار عرفه الإنسان. قبل الوحدة كان سكان القبيطة يذهبون إلى الجنوب ويرجعون ولا يسألهم أحد وسوقهم الرئيسي سوق السبت بمديرية طور الباحة، وأنا من القبيطة بالمناسبة وكنا في أيام الأعياد نذهب إلى عدن صباحاً ونعود إلى بيتنا ظهراً، ولم يشعر أحد بالانفصال في زمن التشطير، واليوم القبيطة صارت جزءاً من لحج ومع ذلك يشعر كثيرون بالوحشة إذا تسوقوا يوم السبت بطور الباحة.. وعكس ذلك يحدث أيضا.. نعم.. لدينا مشكلة.. ولكن حلها بالعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 مشكلة أكبر وأقسى.. دعونا نفكر بالخيارات المأمونة وما أكثرها!.