على مدى سنوات تورط الأردني أبو مصعب الزرقاوي في تخطيط وتنفيذ عمليات دموية أرعبت سكان المعمورة. وخلال تلك السنوات لم يظهر الزرقاوي، أو زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كما أطلق على نفسه، علناً أمام الرأي العام واكتفى بتسجيلات صوتية تحريضية غالباً ما كانت تبث عبر شبكة الانترنت. الأسبوع الماضي، قرر أبو مصعب الزرقاوي أن يظهر بالصوت والصورة أمام كارهيه ومريديه على حد سواء. بدا من الشريط الذي تداولته المحطات العربية والعالمية، والتي أسهبت القنوات الإخبارية في عرضه وتحليله كونه يعرض لقطات نادرة يظهر فيها الزرقاوي للمرة الأولى، أن الهالة الأسطورية التي أحاطت بالمطلوب الأول اليوم تفوق بكثير حقيقة وواقع هذا الرجل من دون أن تقلل من حجم دمويته وإجرامه. لم يستطع الزرقاوي في شريطه أن يقدم عن نفسه صورة غير تلك التي رسمناها من تفاصيل كثيرة رافقت سيرته كشاب خرج من رحم خيبات وهزائم، وعاش فشلاً وانتكاسات اجتماعية في بدايات مراهقته وشبابه في الأردن قبل أن يلتحق بالجهاد القاعدي ويتدرج في عمليات القتل وجزّ الرقاب. حاول الزرقاوي و"خبراؤه" من مجاهدي الصوت والصورة أن يقدموا مشاهد مختلفة للرجل ومن زوايا عدة، إذ بدا واضحاً أن أكثر من كاميرا عملت على إنجاز الشريط وجرى استخدام "لوغو"خاص كما كانت بعض الأناشيد الدينية بمثابة الخلفية الموسيقية لكلامه. رغم الجهد الإعلامي الذي حاول الزرقاوي وفريقه تقديمه، إلا أن الرجل بدا في الشريط ابتذالاً لصورة شيخه وملهمه وملهم عموم الزرقاويين والقاعديين، أسامة بن لادن. استقامته في جلسته وحديثه وعمامته والساعة التي في معصمه الأيمن والسلاح في خلفية الصورة ومعظم التفاصيل الأخرى التي ظهرت في الشريط بدت تجميعاً لمشاهد الفيديو التي كان ظهر فيها بن لادن في مراحل سابقة. وبدت محاولة للإيحاء بأن الزرقاوي وعلى قدر ما يستمد من مرشده الروحي على قدر ما يقدم نفسه كوريث وحامل لواء الحرب ضد من قرر تكفيرهم وإبادتهم على النحو الذي ابتدعه تنظيم القاعدة. في شريطه، بدد الزرقاوي أوهام الأسطورة التي رافقت سيرته وعملياته الإجرامية، ولم يعد يختلط المتخيل بالواقع حين يتعلق الأمر به. بدا الزرقاوي من خلال الشريط تماماً كما نقلت الروايات عنه، رجلاً اشتهر كفتوة (أزعر) في مدينته الأردنية الزرقاء. أما في وجه الزرقاوي فالفتوة لم تغادر ملامح الطريد الأزعر. كما لم تسعف العبارة (أزعر) الزرقاء وفتوتها. ربما أراد الزرقاوي أن يمرر رسائل مموهة إلى مريديه كما حلل البعض، وربما أراد أن يقول أن قدمه لم تقطع على نحو ما تردد، وربما أراد أيضاً أن ينفي خبر إصابته في منطقة الرطبة. الأكيد أن الزرقاوي لم يدرك أن قدمه المقطوعة تلك وإصابته المزعومة وملامحه الغامضة شكلا جزءاً من قوة صورته المتخيلة، وأن نفيها من خلال ظهوره لم يفعل سوى أن أعاده إلى أذهاننا مجرد إرهابي عادي. نقلاً عن صحيفة (الشرق الأوسط)
الزرقاوي الأسطورة .. الزرقاوي الحقيقة
أخبار متعلقة