سطور
ظاهرة تكريم المبدعين في بلادنا رائعة (وإن شابها القصور) وهي لفتة كريمة بعد مرور سنوات من الجفاف والتجني والإهمال وكما يقولون (إن أنت أكرمت الكريم ملكته) ويقول المثل (إذا جاد الكريم فأمهله وإذا جاد البخيل فاستعجله) ويأتي المثل الآخر (خذ القليل من البخيل وضمه إن القليل من البخيل كثير) وأتذكر هنا ما قاله الشهيد الفضيل الورتلاني مخاطباً الإمام يحيى (أفتح المدارس الصناعية والمهنية ومعاهد الطب والهندسة وإلا فإن كل اليمنيين سيصبحون شعراء وسيضيع نظام جلالتك بين المدح والهجاء).لمن يكتب الأديب ولمن يغني الفنان ولمن يتألق المبدع طبعاً للشعب صاحب المصلحة الحقيقية ومصدر السلطة وأساسها ولكن للأسف غالبية هذا الشعب بعيداً عن هموم الثقافة والأدب والفنون وإن كان متذوقاً لها، إذن السلطة الحاكمة والدولة هما المعنيان بالأمر وتأتي الحركات الإبداعية لخدمتها فالإعلام فقط هو السلطة الرابعة، عامة الناس تكرم هذا المبدع أو ذاك باحترام شخصه وتذوق إبداعه وهذا الأمر (ما يأكل عيش) إذن على السلطة والجهات المعنية بالأمر أن تحمي المبدع وتصون كرامته وتبعده عن العوز والفقر وهي أهم خطوات التكريم .. وللأسف الشديد حتى القطاع الخاص ومنظمات العمل المدني وأصحاب رؤوس الأموال والأحزاب لا تشارك في عملية انتشال الحركة الإبداعية واحترام المبدعين، لأن بوجهة نظرها لا يوجد مكسب مادي رغم أن المكسب المعنوي يتضاعف أكثر من رؤوس أموالهم فعندما يؤثر الإبداع في قلوب عامة الشعب يعطي لنا مواطناً يحسن التصرف ويجيد التعامل مع كل من حوله فدور المبدع هنا قوي فأغنية جميلة تريح عقل وقلب المتلقي وقصة رائعة تحفز المرء للاستفادة ولوحة جميلة ترسم الابتسامة وهذا القبول الشعبي من كافة فئات الشعب لهذا الإبداع والألق تكريم للمبدع لأنه استطاع أن يؤثر من خلال نتاجه الإبداعي فعمل إبداعي رائع يصل إلى القلب والعقل أكثر من آلاف الخطب السياسية التي نصفها كذب ونصفها الآخر نفاق وحتى هذه الخطب تمر عبر المبدعين في مجال الإعلام لتنقيتها من الشوائب والأخطاء واللافت في الأمر أن المبدع اليمني يجد التكريم من كافة البلدان التي يزورها أو يقيم فيها (زمار الحي مايطرب) والأمثلة عديدة، الأديب الكبير على أحمد باكثير والموسيقار أحمد فتحي والملاكم الدولي نسيم حميد وغيرهم الكثير ولو بقوا في الوطن لأندثروا إن لم يصابوا بالإحباط والأديب والمبدع كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي.أنا من بدل بالكتب الصحابا لم أجد لي وافياً الا الكتاباعاش خلق ومضوا ما نقصوا رقعة الأرض ولا زادوا الترابا أخذ التاريخ مما تركوا عملاً أحسن أو قولاً أصابا مثل القوم نسوا تاريخهم كلقيط في الناس إنتساباً .لاحظوا أهمية المبدع كيف يترك أثراً إيجابياً من حياته ومماته وذلك الإرث الذي يخلفه هو تكريم له وتقديراً لإبداعه أما تكريم اليوم فحدث ولا حرج خاصة وأننا في ظل تهميش المواطن نفسه فكيف بالإبداع وعلى هذا النحو في وصف المبدع ولها أثرها الجميل كانت قصيدة رائعة للمناضل الفقيد عبدالفتاح إسماعيل (ذويزن) وهو يصف بحرقة وتقدير للمبدع الذي يهدف إلى تغيير واقع الوطن إلى الأفضل ورفض الاستبداد:على من حمل الحرف الوضاءالحرف ـ السيفوحمل القلب على كفيهينز النوركنت الحرف الأول الرقم الأول الحرف الرقم الفكر الضوءإشعاعاً تومض كيما تمنحخلجات الأعين قدرتها لترىومفاجأة التكريم هذه الأيام تجعل المرء يقف أمامها حيث أنه يجب أن يشمل الكثير من المبدعين فإن تذكروا لهم حتى تتعلم الأجيال القادمة من موروثهم فبالابداع ترتقي الشعوب وهذا التذكر نفسه تكريماً لهم حتى لا نعطي فرصة للمتطفلين ودعاة الإبداع فرصة أخذ مالا يستحقونه وهم كثر للأسف الشديد (وخاصة هناك) ولقد سبق الأستاذ والتربوي القدير الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة الأحداث من خلال قصيدة رائعة كتبها في عام 1973م وهي ترجمة لواقع اليوم خاصة في هامشية التكريم حيث قال:رحمه الله ..والشعر ما للشعر جف الندى على رباه في الربيع الوريق مستنقع الشعر غداً آسناً كم من ضفدع فيه تطيل النقيق قبل شروق الشمس في قريتي تسبقها غربانه بالنعيق.ولو ركزنا على كلمة (قريتي) وإن كان المعنى ببطن الشاعر الا أن هذا ما يتضح جلياً إن عدن بلد الإشعاع والتطور والنهضة أصبحت.(قرية) للأسف الشديد وأكبر دليل على ذلك تهميش أبنائها وإلغاء تاريخها والتنكر للمبدعين فيها على مختلف الإبداع الإنساني تصوروا معي مشهد أكبر إرهابي صهيوني (مناحم بيجن) بجائزة نوبل لأنه قتل الآلاف من أبناء فلسطين الجريحة ونحن نخجل بتكريم مبدع ومتألق..والتكريم الظاهر في هذه الأيام مسار جميل ولكن (الحلو ما يكملش) فالتكريم بوجهة نظري ليس بالشكل الذي نراه (ورقة يدعونها شهادة تقدير) لا تكلف نصف دولار (وبيستين في ظرف لا يتجاوز 200دولار) والقائمين على الأمر أمر التكريم يرصدون بهذه المناسبة خمسة أو ستة ملايين ريال يمني والباقي (يلهفها) الساعي للخير.. وذلك المبلغ الضئيل الذي يصرف للمكرم لا تعطيه القدرة على شراء دواء السكر والقلب... ولا تحترم قيمته كإنسان.ولهذا فإني أرى أن التكريم يجب أن يكون من خلال دراسة كاملة لحالة المُكرم ومستوى إبداعه وعطائه وحاجتنا لاستمراره إن كان حياً يرزق، وليس كما نرى ( الأقربون أولى بالمعروف) ومن غاب عن العين غاب عن الخاطر وهذا إجحاف بحق المستحقين للتكريم فهذا الوزير وذالك المسؤول وهذا المدير لا يلم المام تام بمبدعي المدينة التي فرض عليها إما من منطقة أخرى أو خريج شاب توظف بواسطة بموقع يفوق حجمه، فالقرية أو المحافظة لها تقسيم إداري مديريات وأحياء وشوارع وللأسف أيضاً مكاتب تُعنى بالإعلام والثقافة ( الذي كل منهم يغني على ليلاه) وعملهم متعهدي حفلات (العيد الوطني والفضي والذهبي) وتجميع أصوات غنائية تردد موروثنا الغنائي الرائع بتعسف ونسخ ردي وما أن يكمل ذلك الصوت فقرته الا ويلهث وراء (المكأفاة) لها وفي ظل كل هذه الزحمة لمدراء المكاتب الفرعية يتجاهل من يستحق الذكر، ومن طيبة بعضهم يرحمون من (يطافح) وراء حقه من المبدعين وحتى يخرسوا صوته المزعج يضاف مع الأسماء العشوائية التي اعدت مسبقاً، لا أبالغ ولست حاقداً لو قلت إن كل مؤتمرات المجالس المحلية التي تسعى الى توسيع السلطات للحكم المحلي وإلغاء المركزية كلها بدون إستثناء الى توسيع السلطات للحكم المحلي وإلغاء المركزية كلها بدون إستثناء لم تناقش قضايا الإبداع ،الادب لثقافة والفنون بأنواعها وهذه مصيبة فبقدر حاجتنا للغذاء والأمن والإستقرار حاجتنا أمس للثقافة والفنون والأدب وهذه جريمة بحق الإبداع اليوم بل ممارسة الإبداع نفسه لا تتوفر البنية الأساسية ماعلينا ..المبدع إنسان يحتاج الى الرعاية والاهتمام به ويحتاج للعلاج الطبي وسكن يقيه تضاريس الحياة ودعم مادي يحفظ له كرامته وإنسانيته وهذا هو التكريم والمبدعين في بلادنا لهم دور نضالي كبير وهم شخصيات إجتماعية تحظى بتقدير الجميع لذا يستحق التكريم لأكثر من مرة هكذا التكريم وليس بحفل غنائي ودعاية إعلامية تجبر المصلحة الوزارة المعنية بالأمر ويخرج منها المكرم (مثل الديك المبلول بالماء) فلو الغينا تلك الحفلة لربما (البيمتين) تكون أكثر ايجابية ولربما يكلفهم فقط تكبير (الظرف) والتكريم ينبثق من خلال توثيق الإبداعات والمخطوطات وطباعتها وتوزيعها على الجميع من المهتمين وعشاق القراءة فالكتاب في بلادنا غال والصحيفة غالية ومارخيص الا الإنسان.