من المتوقع ان يصادق برلمان الصين، الذي يطلق عليه مؤتمر الشعب، في بكين هذا الأسبوع على قرار حكومي بزيادة ميزانية البلاد العسكرية الهائلة. وعلى الرغم من ظهور تفاصيل محدودة، فإن خبراء يعتقدون أن هذه الخطوة سترفع مستوى الإنفاق على الدفاع من 7.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي إلى حوالي 12 في المائة، فيما تبرر الحكومة الصينية هذه الزيادة إلى الحاجة إلى تحديث أنظمة السلاح القديمة وتطوير تكنولوجيا عسكرية جديدة. وكانت الولايات المتحدة قد انتقدت مسبقا هذه الخطوة وقالت إنها ستؤجج التوتر في منطقة الشرق الأقصى. وتشعر واشنطن بالقلق إزاء احتمال أن يؤدي أي حشد عسكري صيني إلى زيادة إغراء ضم تايوان بالقوة. وعلى الرغم من انه لا يجب تجاهل هوس الصين بتايوان، فإن الزيادة في الميزانية تتعلق في الغالب بنيات شرسة تجاه تايوان، ومن المحتمل أيضا ان يكون للقيادة الصينية ما تشعر تجاهه بالقلق. أول القضايا التي من المحتمل أن تكون مصدر قلق لدى الصين الانقسامات الدينية والسياسية في منطقة آسيا الوسطى. وعلى الرغم من تراجع حدة تمرد اليغور في تركستان الشرقية ( سينكيانغ) فيما يبدو، بفضل التطور الاقتصادي الهائل، فإن عدة مجموعات إسلامية لا تزال متمسكة بجهادها ضد سلطة ما تسميه «الشيوعي الكافر».الإسلاميون يقاتلون أيضا في أوزبكستان، وإلى حد اقل في كيرغيزستان. والآن لم تعد لديهم فرصة كافية فيما يبدو لإثارة المزيد من الفوضى، دعك عن السيطرة على السلطة في طشقند او بشكيك. رغم ذلك، يمكن النظر إليهم كنوع من المرض المزمن الذي يضعف نظاما ويدمره في نهاية الأمر. تواجه أفغانستان وباكستان، وكلاهما يجاور الصين، تحديا جهاديا متواصلا من المحتمل أن ينظر إلى سينكيانغ كونها أرضا طبيعية له. وهناك الخلافات حول وحدة أراضي الصين، والتي من المحتمل أن تفتح جبهة متاعب في التبت ومنشوريا ووسط منغوليا وربما هونغ كونغ والمحافظات الأكثر ازدهارا في الشرق، مثلما من المحتمل أيضا أن يشعر قادة الصين بالقلق من مستقبل روسيا غير الأكيد. ومن المؤكد ان الرئيس فلاديمير بوتين افلح في الحفاظ على النظام في موسكو، وحتى، عبر قبضة الحكم الحديدية، واحتواء التمرد في الشيشان ومناطق شمال القوقاز، على الأقل في الوقت الحالي. ومع ذلك فان روسيا، التي تضعف باستمرار جراء الهبوط الديموغرافي وتعمق الانقسامات، قد تبرز كعلامة استفهام خطرة خلال العقدين أو الثلاثة المقبلة.وعند النظر باتجاه جنوب آسيا لا يمكن للصين أن تتجاهل جارها العملاق وخصمها العنيد الهند. وينسى الناس ان الصين ما تزال تتحكم بأجزاء كبيرة من الأراضي الهندية بما في ذلك في كشمير، وقد جرى الاستيلاء عليها في حروب سنوات الستينات من القرن الماضي.وإذ تتعزز ثقة الهند بنفسها سوية مع تطورها الاقتصادي الهائل، هناك قليل من الشك في أن الهند ترغب في ممارسة دور قوة كبرى على الأقل في منطقتها.ويتطلب الأمر قليلا من الخيال لرؤية الأوضاع التي يمكن أن تتفق بها الهند، الديمقراطية، مع الصين، التي تبقى، على الرغم من تبنيها الرأسمالية، دولة استبدادية مركزية.وربما كان العامل الأكثر أهمية في قرار بكين هو تعطش الصين المتزايد للنفط. وحتى إذا كانت مستويات الاستهلاك الحالي خاضعة لضوابط وفقا للإجراءات المقترحة في إطار اتفاقيات كيوتو، فمن المؤكد أن حاجة الصين إلى النفط ستكون مضاعفة بحلول عام 2020. وذلك على وجه التحديد عندما يكون من المتوقع أن تصل احتياطيات النفط في العالم إلى ذروتها قبل هبوط حاد ودائم. وقد لا يفتقر العالم إلى النفط حرفيا، ولكن تاريخ النفط، كمصدر للطاقة الرخيصة، قد ينتهي في حدود فترة تتراوح بين 2030 و2040. وخلال العقدين المقبلين قد يصبح الوصول إلى مصادر النفط المتناقصة القضية الرئيسية في النزاع الدولي. وسيكون احد أسباب تجنب النزاع هو خلق نظام تخصيصات، وهو شكل من أشكال الحصص في الواقع الفعلي. ولكن ليست هناك فرصة كبيرة لتحقيق إجماع لجعل مثل هذا النظام ممكنا. ويمكن أن يأتي التهديد الأكبر للمستبدين والمغامرين الإقليميين في الدول الغنية بالنفط الذين يمكن أن يستخدموا النفط كسلاح سياسي سعيا لتحقيق أحلام ألفية مجنونة.ففي نهاية الحرب الباردة افترض كثير من الخبراء أن الناتو المعاد تنظيمه، وبمهمة أعيد تعريفها، قد يدعي الحق بمهمة حماية تجارة النفط العالمية من كل الأوضاع التي يصعب تقييمها. ولكن سرعان ما جرى التخلص من ذلك الوهم، اذ قلصت أغلبية دول الناتو الـ 26 في الواقع ميزانياتها الدفاعية.وفي الوقت الحالي تنفق أربع دول من أعضاء الناتو فقط، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا واليونان، ما يزيد على 2 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع. وهذه هي أدنى المستويات المسجلة خلال القرنين الماضيين. يعود ارتفاع الموازنتين الدفاعيتين لتركيا وإيران التي تحتل من معدل الإنتاج الإجمالي المحلي ما يقرب من 3% إلى خلافاتهما بما فيها الخلاف حول قبرص وكلاهما يرغبان بأن يساعد الحلف الأطلسي في إبقاء السلام هناك.ومنذ التسعينات من القرن الماضي برزت الولايات المتحدة مع قوة كافية لفرض إرادتها على المتخاصمين، لكن حتى موازنة الولايات المتحدة الدفاعية التي تبلغ 800 مليار دولار وهي تحتل من معدل الناتج الإجمالي نسبة 3،9% وهي أقل ميزانية دفاعية في تاريخ الولايات المتحدة من الناحية النسبية.ففي عام 1944 وضعت الولايات المتحدة 44% من معدل إنتاجها المحلي الإجمالي، وخلال الخمسينات من القرن الماضي بلغت 16% من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال أكثر سنوات الحرب الباردة لم تهبط الموازنة الخاصة بالدفاع عن 11% من الإنتاج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة.لذلك فإنه من الناحية النظرية تستطيع الولايات المتحدة أن تحشد المصادر حينما يكون ضروريا، لكن من الواضح أن الإرادة السياسية غير متوفرة، وشعار «لا دماء من أجل النفط» يكسب أغلبية الأميركيين الذين هم في آخر الأمر من يقرر إستراتيجية بلدهم القومية.ويرى ريتشارد هاس الذي رأس خلال فترة بوش الأب قسم التخطيط في وزارة الخارجية أن قوة الولايات المتحدة كحكم دولي في طريقها للتلاشي. وقد يكون كافيا النظر حول النجوم الصاعدين في السياسة الأميركية كي نصدق ما يراه هاس. فالقوة تتلاشى حينما تفقد نخبة البلد الإرادة للسلطة. [c1]نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية [/c]
ميزان القوى : حينما تذبل قوة.. تشرق الأخرى
أخبار متعلقة