[c1]فاطمة الفقيه*[/c]الرجل السعودي مثل معظم الناس مكون من طبقات ثقافية متداخلة ومختلطة فهو أولا ابن الثقافة السعودية المحلية ثم الثقافة العربية والثقافة الإسلامية وأخيرا الشرقية بخطوطها العريضة ولكل واحدة من هذه الطبقات مفاهيمها المميزة والغائرة في القدم حتى لتكاد تدخل في التركيبة الجينية.وقد يحدث أن يخرج الرجل السعودي عن حدوده الجغرافية ويتعرض لظروف وثقافة مختلفة عما نشأ عليه فيتغير تدريجيا حتى ينسلخ تماما عن تلك الطبقات ليخرج إنساناً جديداً له فكر مستقل يشبه من خالطهم في خارج الحدود وقد يتغير أيضا بشكل جذري دون الخروج من بيئته وذلك بممارسة الانطلاق الروحي والعقلي من الحدود الفيزيائية بالسفر في الكتب والغوص في التفكير فيستوعب ثقافات أخرى أكثر تحرراً وإنسانية وينتج منظومة من المبادئ ربما قديمة ولكنه لم يرثها وإنما أعاد خلقها ولا تمثل أحداً سواه وهذا ضرب من الإبداع الفكري خاصة عندما يكون المحيط شديد التحفظ يستميت في إبقاء ما نحته الأجداد على جدران العقل ويقاوم هو هذا الغطاء الاجتماعي ويستقل بشجاعة تجعله يؤسس عالماً داخل عالم وبيئة داخل بيئة وتظهر آثار تغيره في السلوكيات الحياتية كسلوك المواطنة ونظرته للعمل وحتى علاقاته الإنسانية.لكن تظل هناك نقطة عصية على التغيير شديدة المقاومة متمسكة بجوهرها القديم وأسميها "النقطة الأضعف" التي تمثل البصمة الأساسية الدالة على أول ثقافة صاغته وهي العربية الشرقية وهذه النقطة هي "المرأة"، فالمفاهيم التي تحكم وجودها هي الأكثر استعصاء على التغيير والتي يشترك فيها السواد الأعظم من الرجال ولا يستثنى منهم المثقف حيث تكاد النظرة لها كمخلوق للإمتاع هي القاسم المشترك ثم تأتي بعد ذلك جميع الخصائص الأخرى التي تضعها في مصاف الإنسان الباحث عن حقوق ضائعة أو المثقف المشارك في هموم وطنه أو المفكر المبدع. وبالرغم من أن هذا المفهوم العليل هو السائد والذي يفقد المثقف بالذات بعض المصداقية إلا أنه قد يهون في مقابل التناقض بين الاعتقاد الجازم بوضعية المرأة المسلوبة وبما لها من حرية في التمتع بجميع جوانب حياتها وبين التطبيق على أرض الواقع، ومن الملاحظ أن المثقف السعودي ذا التوجه المحافظ قد يعترف بتردي وضع المرأة إلا أن الله قد كفاه شر هذه التناقض، حيث إن هذه الفئة قد حسمت الأمر برمته فلا وجود لمفهوم استقلال فكري أو جسدي مخالف للشرع وكل ما لها وما عليها رهن يد وليها فلا تمثيل لوحدتها أو حرية قراراتها بدون سلطانه لذا فإصلاح وضعها يتمركز حول إيجاد ولي مثالي يضمن تمويلها بهذه الحقوق حسب ظروفه.بينما المثقف السعودي ذو التوجه الإنساني المتجدد الذي نجد أن إدراكه ووعيه بحقوق وصلاحيات المرأة قد يصل أحياناً كثيرة لمستويات قد لا تجرؤ حتى هي على المطالبة بها تصبح الأزمة بالنسبة إليه أكثر وضوحاً حيث ينتظر المجتمع والمثقف من نفسه إسقاط إيمانه على أرض الواقع ويصبح الكثير من الأعراف والقوانين الاجتماعية التي تحكم علاقاته بها هي المؤشر الأكثر دقة لمصداقية مبادئه وهي أول اختبار يطلب منه اجتيازه لإثبات مدى نضجه.فكما هو معلوم أن التنظير عملية ميسورة ولا تتطلب سوى قراءة الكتب بينما التطبيق هو المؤشر الصادق على وجود تغير فكري جذري لدى الفرد. ومن مشاهداتي اليومية أرى أن هناك من يتحلى بالشجاعة واحترام الذات ويقوم بتوزيع الحقوق على مستحقاتها وتركهن يمارسنها بغض النظر عما سيلحقه من تبعات ولكن مع الأسف هذه الفئة هي الأكثر ندرة، حيث إن الكثير من المثقفين قد يعيشون أوضاعاً ضبابية ولا يستطيعون معها اجتياز هذا الاختبار وبدلاً عنه يقعون في فخ الازدواجية بين المبدأ النظري والتطبيق العملي ويتم الاكتفاء بممارسة هذه المبادئ خارج المجتمع السعودي مبررين لأنفسهم مثل هذا السلوك بعدم نضج المجتمع بينما هي تعكس في أحيان كثيرة عدم نضج المثقف نفسه وهشاشة فكره.[c1]* نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية[/c]
المثقف و النقطة الأضعف
أخبار متعلقة