صباح الخير
هلت علينا في الحادي عشر من الشهر الجاري ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الحادية والأربعون, التي أشرقت بنورها في عام النكسة والهزيمة النكراء في حرب حزيران 1967م, يوم ضاعت فلسطين, كل فلسطين, وضاعت معها أراضٍ عربية ما زالت ترزح تحت الاحتلال.|انطلقت الجبهة الشعبية وامتشقت السلاح ورفعت رايته عالياً وقالت هذا هو الطريق إلى فلسطين, حرب تحرير شعبية طويلة الأمد مادتها الأساسية الجماهير الفلسطينية والعربية, انطلقت لتقول : نحن وراء العدو في كل مكان, ومارست هذا الشعار على أرض الواقع, وأثبتت للعالم أجمع من هو الفلسطيني اللاجئ وبأنه الرقم الصعب, ودوى صوت فلسطين في أرجاء العالم كافة بعد أن حاول الكيان الصهيوني طمسه لفترة من الزمن وبعد أن حاول أن يقنع الرأي العام بأن الفلسطيني جاهل ولا يستحق الأرض وهو الحضاري المتعلم الذي يستحقها.انطلقت الجبهة الشعبية وأعطت الأولوية في عملها المسلح للداخل, للوطن المحتل وألحقت أفدح الخسائر البشرية والمادية بصفوف جيش الاحتلال وبشكل خاص بعد الانطلاقة حتى عام 1971م , حيث قال موشي دايان وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك : «نحن نحكم غزة في النهار والجبهة الشعبية تحكمها ليلاً».آمنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقومية المعركة, وبالأممية انطلاقاً من إيمانها بأن فلسطين جزء من هذه الأمة العربية وانطلاقاً من فهمها أن حركة التحرر الفلسطينية فصيل من فصائل حركة التحرر العالمية من السيطرة الاستعمارية والظلم والاستبداد ففتحت صفوفها لكل المناضلين الشرفاء, وهذا ما ميز نضال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن غيرها من الفصائل الوطنية.آمنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالديمقراطية ومارستها فعلاً لا قولاً في حياتها التنظيمية منذ أن تأسست حتى يومنا هذا, ولم تقف في طريق من أراد الخروج من صفوفها وتشكيل فصيل خاص به وفرخت الجبهة الشعبية فصائل وطنية في الساحة الفلسطينية.آمنت الجبهة الشعبية بالوحدة الفلسطينية, وكانت الساهر الأمين وما زالت على وحدة الصف الفلسطيني, وتشهد مسيرة الثورة الفلسطينية على الدور الوحدوي الذي لعبته الجبهة الشعبية وما زالت في كثير من المحطات.آمنت الجبهة الشعبية بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا الفلسطيني وحرصت وفي كل المراحل على الحفاظ على منظمة التحرير وعدم إيجاد البديل لها في أي ظروف وتحت أي عنوان ومن منا لا يعرف ذلك؟.اليوم في ذكرى الانطلاقة نجد الجبهة الشعبية هي ذاتها الأكثر تمسكاً, والأكثر حرصاً على منظمة التحرير الفلسطينية ووحدتها وتفعيلها وإعادة الاعتبار لها بعد أن همشت على إثر اتفاق أوسلو وملحقاته.لا أبالغ إن قلت إن أكثر ما يخشاه الكيان الصهيوني هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لأنها صاحبة المشروع الوطني, لأنها من وضعت إستراتيجيتها منذ الانطلاقة وما زالت متمسكة بهذه الإستراتيجية وتعمل على ضوئها في الوقت الذي لا تملك فيه أنظمتنا العربية إستراتيجية للصراع مع الكيان الصهيوني منذ أن حل على أرض فلسطين وأحتل أراضيهم العربية, الجبهة الشعبية هي التي قالت : أعرف عدوك. هي من قالت من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا, حددت وبشكل واضح معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء, وها نحن اليوم ندفع ثمن أخطاء من لا يعرف من هو العدو ومن هو الصديق بعد ما يزيد على ستين عاماً منذ النكبة.عدو الأمس أصبح صديق اليوم للبعض, وعلى رأي المثل (ضاعت الطاسة) وضلل الشعب الفلسطيني, بل قسم, وهذا عكس نفسه على نضالاته, وانتفاضته, ومقاومته للاحتلال.أما آن الأوان أن نتفق ونحدد أعداء الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟.أما آن الأوان لأن نوحد صفوفنا, أما آن الأوان أن نعيد للكفاح المسلح اعتباره, أما آن الأوان أن نفهم معنى الهدنة مع العدو ومتى يمكن أن نوافق على هدنة؟.الجبهة الشعبية التي أسسها الشهيد الدكتور / جورج حبش, وواصل مسيرتها وقادها الشهيد / أبو علي مصطفى الذي أصرت «إسرائيل» على أن تغتاله بثلاثة صواريخ لأنها تعرف أن قائداً بحجمه لا يمكن أن تقتله رصاصة ولا يمكن أن يقتله صاروخ. وجبهة يثأر فيها أحمد سعدات لرفيق دربه من أكبر رأس صهيوني وواصل المسيرة, ولم يثنه وجوده اليوم في زنازين الاحتلال ويرفض المحكمة والحاكم, ويرفع شارة النصر كما رأيناه في باحة محاكم الكيان الصهيوني.جبهة من هذا النوع لا يمكن إلا أن تستمر في المسيرة النضالية بأعضائها وكوادرها أبناء وأحفاد جورج حبش وأبو علي مصطفى وأحمد سعدات حتى النصر.