د.رفعت السعيدغريب أمر هذه الجماعة! فإذا ما قلبت في دفاترها القديمة ثم تأملت الواقع الحالي تبدت حالة من المماثلة التامة, وكأنها تستنسخ من ذاتها بذاتها أجيالا متتالية متشابهة تماما مع السابقين وتفعل تماما ما فعلوه في الماضي. والجهاز الاقتصادي للإخوان هو الآن كما كان في الماضي يستهدف نقل الجماعة إلي حالة من القدرة علي تجنيد عضوية جديدة بإغراء العمل في مؤسساتها والتسلل إلي مجالات محددة مثل التعليم والعلاج ثم الاستفادة من الحصيلة المالية في تمويل نشاطات الجماعة.. والأخطر من ذلك هو اتخاذ المشاريع الاقتصادية كغطاء للنشاط السري للجماعة, هذا بالإضافة إلي اتخاذ هذه الأنشطة مخابئ لعضوية الجماعة خاصة عضوية الجهاز السري.ولنتجه بالمقارنة إلي مجال التعليم. فمنذ السنوات الأولى لدعوة الإخوان حرص المرشد الأول ومنذ كان في الإسماعيلية علي إنشاء مدرسة تابعة للجماعة بهدف نشر أسس الدعوة بين التلاميذ وأسرهم.وفي عام1946 ركز الأستاذ البنا كثيرا من جهده في هذا المجال, وكون لجنة برئاسته لتأسيس مدارس( إخوانية) ابتدائية وثانوية( جريدة الإخوان المسلمون ــ1946/7/10) وفتح البنا باب التبرع لبناء هذه المدارس التي كانت تدار بمعرفة الجماعة فتصبح بؤرا لنشر الدعوة الاخوانية بين التلاميذ وأسرهم. وقد انتهز الأستاذ البنا فرصة تولي محمد حسن العشماوي باشا ــ وكان قريبا جدا من الجماعة وصديقا شخصيا للمرشد ــ وزارة المعارف العمومية فأقنعه بأن يشرك الجماعة في مشروع محو الأمية ومشروع تعميم التعليم.وقدمت الوزارة معونة للجماعة قيمتها75 قرشا مقابل كل تلميذ يدرس في مدارسها, ثم قدمت لتلاميذها الكتب والكراريس مجانا, ثم قررت الوزارة تغطية نفقات المدارس الاخوانية بالكامل. وحصلت الجماعة من ذلك علي أرباح مالية وسياسية هائلة, فهي تتقاضى مصروفات من التلاميذ, بينما الحكومة تغطي نفقات المدارس, والجميع من مدرسين وموظفين يتحتم أن يكونوا من أعضاء الإخوان, أما التلاميذ وأولياء الأمور فهم في إطار التأثير الاخواني المباشر. وفتحت هذه المكاسب شهية الأستاذ المرشد, فأقام شركة مساهمة لتأسيس المدارس, وتكاثرت المدارس الاخوانية إلي درجة أن الأستاذ البنا قال في كتابه الأخير إن كل شعبة من شعب الجماعة الألفين أسست مدرسة أو أكثر( حسن البنا ــ قول فصل ــ ص34).... ولو اهتم أحد في أيامنا هذه بإحصاء المدارس وحتى دور الحضانة الاخوانية لأدرك أن الجماعة تسير علي ذات الدرب, وأن مدارسها تكاثرت وأنها تحولت إلي بؤر لنشر الدعوة الاخوانية, وأيضا لضمان تمويل متدفق للجماعة.ثم هناك أيضا المستوصفات والمستشفيات والعياداتونواصل المقارنة.. فالآن هم أيضا ينثرون عياداتهم ومستشفياتهم وصيدلياتهم ومعامل التحاليل المملوكة لهم في أماكن عديدة. والأمر ليس كله استثمارا اقتصاديا ولكن له مآرب سياسية. وكمثال لذلك يروي أيمن الظواهري أن بداية رحلته إلي أفغانستان كانت عندما عمل كطبيب في مستوصف بالسيدة زينب مملوك لجماعة الإخوان, وذات مساء عرض علي الأخ المسئول عن المستوصف أن أسافر إلي إسلام أباد لأشارك في علاج جرحي الجهاد في أفغانستان.. وتوكلت على الله( أيمن الظواهري ــ فرسان تحت راية النبي ــ الانترنيت).ثم نأتي إلى النشاط الاجتماعي والجمعيات الأهلية, ومنذ عام1946 بدأت الجماعة هذه الرحلة فأقامت العديد من الأنشطة الاجتماعية وحين تم حل الجماعة علي يد النقراشي باشا كان للجماعة500 فرع للأنشطة الاجتماعية.أما الآن فإن دراسات عديدة وإحصاءات مخيفة تتوالى لتقدم لنا نموذجا مثيرا للدهشة. فمنذ قيام عبدالناصر بمطاردة جماعة الإخوان اختبأ الكثيرون ممن بقوا خارج السجون في إطار أنشطة الجمعيات الأهلية الإسلامية. واستهدف تمترس الإخوان في أعضاء الجماعة في هذه الجمعيات تحقيق أهداف عدة: الاختباء تحت عباءة هذه الأنشطة من أجل كسب عضوية جديدة ــ الحصول علي تمويل هائل, وعلي دعم سياسي كبير( عماد صيام ــ الحركة الإسلامية والجمعيات الأهلية في مصر ــ بحث ضمن كتاب الجمعيات الأهلية الإسلامية في مصر ــ إشراف عبدالغفار شكر ــ ص96) والأسماء عديدة لكننا نعف عن ذكرها حتي لايتصور أحد أو تتصور جماعة أننا نقوم بالإبلاغ عنها.ولعل الحكومة التي تخلت في أماكن عديدة عن تقديم الخدمات الضرورية للسكان قد فتحت الباب واسعا أمام هذه الأنشطة. وربما لم تنتبه الأجهزة الأمنية إلى خطورة هذه الأنشطة الاجتماعية المتغلغلة في عديد من الجمعيات الأهلية إلا في زلزال 1992 حيث تحركت جموع من الإخوان المتمترسين في الجمعيات الأهلية في غضون ساعتين من بدء الزلزال لتنتشر في المواقع المنكوبة مقدمة الأغطية والخيام مغلفة بالدعاية الاخوانية, الأمر الذي سجلته كاميراتC.N.N بما دفع الحكومة إلي إصدار أمرها العسكري الشهير الذي يحظر تقديم أي خدمات إلا عبر وزارة الشؤون الاجتماعية.ولم يكن هذا الأمر العسكري إلا تصرفا بدائيا, فقد تركت الحالة الأصلية كما هي.. الإخوان يسيطرون وبسهولة على المراكز العصبية لعديد من الجمعيات الكبري ويتخذونها مخابئ لأنشطتهم, ومصدرا لا ينضب لتمويل بلا حدود يأتي من نذور وزكاة المسلمين حسني النية. وتشير إحدى الدراسات إلى أن حصيلة أموال الزكاة وحدها التي تمثل50% فقط من التبرعات والصدقات التي يتم جمعها في المساجد التابعة لهذه الجمعيات بلغت حوالي20 مليون جنيه عام1989( هويدا عدلي ــ دراسة بعنوان حركة الإسلام السياسي ــ أسباب النشأة ومحددات الازدهار ــ من المرجع السابق).وعند الحل الأول للجماعة تكشفت شبكة الجهاز الاقتصادي للجماعة, وتضمنت ملفات قضايا الإرهاب التي وقعت ذلك الحين, قوائم بالأنشطة الاقتصادية الاخوانية... كان ذلك في الماضي, وهو كذلك في الحاضر, فإذا لجأنا إلى تصريح غاية في الصراحة أدلى به الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا لروزاليوسف وهو أحد القادة المفترضين للجماعة نجده يقول: نحن نعمل منذ فترة طويلة على إقامة أجهزة اجتماعية ومستشفيات ومدارس وأندية رياضية, وسوف تواصل الشركات الإسلامية أنشطتها المالية والتجارية والصناعية.ويعرف الجميع أن الجماعة كانت طرفا مهما في عديد من شركات توظيف الأموال, بل إن أحد كوادر الجماعة( وهو ابن أحد مرشدي الجماعة) قد عمل مستشارا قانونيا لكبري شركات توظيف الأموال( شركة الشريف). كذلك كان الوجود الاخواني في النقابات المهنية سبيلا لاستخدام أموالها في حشودهم ومظاهراتهم وعدد آخر من أنشطتهم المباشرة,ولعل هذا يفسر إلحاحهم دوما على احتلال موقع أمين الصندوق في هذه النقابات.ونلاحظ في نهاية الأمر مسألتين مهمتين..الأولى أن مالية الجماعة ومواردها والأنشطة الاقتصادية للجماعة ظلت علي الدوام في قبضة محكمة للجهاز السري للجماعة. وتحت الإشراف الكامل للمرشد الأول حسن البنا, وما تلاه من قادة.أما المسألة الأخرى فهي أن غموض مصادر وتمويل الجماعة وأنشطتها الاقتصادية كان المسؤول الأول عن كل الانقسامات في الجماعة. سواء الانقسام الأول في الإسماعيلية على إثر تدفق أموال للجماعة من مكتب الإعلام التابع لألمانيا النازية, وقد أدي إلي انشقاق مجموعة أسمت نفسها جماعة شباب سيدنا محمدعليه الصلاة والسلام, أو الانقسام الثالث الذي حدث في بداية الأربعينيات من القرن الماضي علي يد الصديق الصدوق للبنا وهو الأستاذ أحمد السكري والذي تبعته سيول من الاتهامات المالية.ولكن, لماذا تظل الأنشطة المالية والأنشطة الاقتصادية اختصاصا مطلقا للجهاز السري للجماعة؟لدينا إجابة صريحة وواضحة من أحد مؤسسي الجهاز السري وهو الأستاذ محمود الصباغ في كتابه حقيقة النظام الخاص ــ ودوره في دعوة الإخوان المسلمين والذي كتب مقدمته الأستاذ مصطفي مشهور عندما كان مرشدا للجماعة ونقرأ معا هذه الفقرة المخيفة من الكتاب لم يقتصر تفكير النظام الخاص علي التدريب علي الأسلحة والقنابل التقليدية, بل فكر في صناعة مايستطيع تصنيعه محليا من المتفجرات التي لاتتوافر في الأسواق مثل قطن البارود فقد تم إنتاجه بنجاح, وكذلك ساعات التوقيت التي تحدد وقت انفجار العبوة الزمنية.فقد تم تطوير الساعات العادية إلى ساعات زمنية لتفجير العبوات, ولأن الجماعة كانت بحاجة إلى كميات كبيرة من المتفجرات فقد اتجه تفكيرنا إلي تصنيع قطن البارود علي نطاق واسع, وكان لابد لذلك من مكبس هيدروليكي كبير.. ومن ثم اتجه تفكيرنا إلى إنشاء مصنع للبلاط لايعمل فيه إلا أعضاء الجهاز الخاص, بحيث ينتج البلاط علي أساس تجاري يضمن له صفة الاستمرار, وفي الوقت نفسه يستخدم مكبسه في إنتاج قوالب قطن البارود,وقد قمت شخصيا بشراء المكبس من السوق وتم إنشاء المصنع في ميدان السكاكيني بصفته أحد مصانع شركة المعاملات الإسلامية.. وتمت تجربة الإنتاج في نسف قطعة من قضبان السكة الحديد وتحقق نجاح التجربة( ص150).لكننا في كل ما سبق لم نتحدث إلا عن الفتات, مجرد مشاريع صغيرة بالنسبة للجماعة. فهناك في الخارج أنشطة ضخمة تمتد من إندونيسيا إلى عديد من دول جنوب شرق آسيا, وهناك بنك التقوى الذي أخفته الجماعة في جزر البهاما( رأسماله المدفوع670 مليون دولار) وترأسه يوسف ندا الذي أسمي نفسه لفترة من الوقت مسئول العلاقات الخارجية للجماعة, والذي اتهم بغسيل أموال تنظيم القاعدة, وهناك الكنز الاخواني الكبير الذي كان في حوزة سعيد رمضان طوال إقامته بالخارج, وتتنازع الجماعة الآن مع ورثته الحق في هذا الكنز الضخم.. وكل ذلك تحت هيمنة التنظيم الدولي للإخوان, الذي هو بدوره تحت هيمنة الجهاز السري... والآن هل اتضح الأمر؟.وقد ــ أقول قد ــ يكون البعض من المشاركين أو العاملين في هذه المؤسسات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية أو الصحية قد يكونون حسني النية.. ولكن ألم نقرأ عديدا من المرات الآية الكريمة ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا, الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ( الكهف ــ 103 ــ 104). صدق الله العظيم. ـــــــــــــــــــــ[c1]نقلا عن صحيفة "الأهرام" المصرية
الإخوان وجهازهم الاقتصادي
أخبار متعلقة