حكومة "حماس" في فلسطين لا تمارس صلاحياتها ودورها حتى الآن. والأوضاع التي تواجهها كارثية. وليست ثمة مبالغة في القول إنها من أصعب الأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني حتى الآن خصوصاً على المستوى المعيشي والاقتصادي- الاجتماعي. نجحت الحكومة في جمع مساعدات مالية من دول مختلفة. لكن المال مجمــّد. ليست ثمة إمكانية لتحويله إلى الشعب الفلسطيني. كل شيء يجب أن يمر عبر المصارف الإسرائيلية في النهاية، وهذا أمر غير ممكن الآن في ظل الحصار الدولي على "حماس" والقرار الإسرائيلي الرافض التعاون مع حكومتها! التوتر الأمني قائم على الأرض من عدة نواحٍ ولعدة أسباب. المشهد في الداخل: فوضى أمنية عارمة، سلاح منتشر في كل مكان، عناصر أمنية تدخل إلى قوات حكومية، ومقرات المجلس التشريعي، تعبث فيها وتهدد المسؤولين عنها. العنوان: ضرورة دفع الرواتب. والمضمون: خلاف سياسي عميق وعدم تقبـّل لقيادة "حماس" والانضواء تحت لوائها! لم يعد ثمة مظهر للسلطة وللمؤسسات حتى الآن. إضافة إلى وقوع الشعب الفلسطيني في المحظور وهو الاقتتال الداخلي لأن المعارك بين "حماس" و"فتح" قد اندلعت في أكثر من مكان وتنقلت بين مدينة وأخرى. والجميع يخشى من وقوع حرب داخلية فلسطينية- فلسطينية تنتظرها إسرائيل منذ سنوات طويلة وتم تجنبها حتى الآن، لكن الانحدار نحوها بات احتمالاً مرجحاً. ثمة من يقول: إن "حماس" تريد إسقاط الرئيس محمود عباس لتقبض على السلطة نهائياً. وهذا يشعل حرباً كبرى! وثمة في المقابل من يقول إن الرئيس يريد إسقاط حكومة "حماس" ورئيس الحكومة يؤكد أنها مستمرة وهو مستمر ولن يتمكن أحد من إسقاطها، لكن وضعها على الأرض صعب جداً. يتخذ وزراء قرارات فيلغيها الرئيس بقرارات أخرى. ويتحول الصدام إلى الشارع. هكذا يتم إفراغ السلطة والمؤسسات وأدوارها من مضمونها. وقد تكون إسرائيل التي تنفذ عمليات اغتيال يومية لقادة ورموز الانتفاضة، وتستمر في حصار المناطق الفلسطينية وممارسة الإرهاب على الشعب الفلسطيني، قد تكون على خط محاولات الاغتيال المتبادلة وتعميم الأجواء المذكورة لأنها صاحبة المصلحة الأولى فيما يجري. من يسقط من؟ أهذه هي اللعبة بين رأس السلطة الفلسطينية ورأس الحكومة "الحمساوية" ؟ وهل هذه هي قواعد اللعبة في فلسطين وأبعادها وأهدافها؟ ألا يؤدي ذلك إلى سقوط الجميع؟ فماذا عن إسقاط إسرائيل وإرهابها وأهدافها؟ لقد بات مناصرون ومؤيدون وأصدقاء للشعب الفلسطيني في الخارج، قدموا له كل الدعم وواجهوا الإرهاب الإسرائيلي في محطات مختلفة، لا يفهمون اليوم ماذا يجري، ولا يُقبلون بالتالي على مساعدة هذا الشعب. هم يعرفون أن أميركا طالبت بالديمقراطية وأن الفلسطينيين مارسوها وانتخبوا "حماس". بعض الأصدقاء لم يكن يريد "حماس". لكن يدرك أنها حازت على الأكثرية، إلا أنهم ينتقدون اليوم أداءها ومواقف قادتها في الداخل وخصوصاً في الخارج. والأصدقاء هؤلاء أنفسهم، لاسيما القريبون منهم، وكانوا مقربين من "أبو مازن" وقبله من "أبو عمار"، هم ليسوا في الأساس مع "حماس". هم مع "فتح". لكنهم يتســـاءلون كيف انهارت "فتح" بسرعة؟ لماذا لا يسأل قادتها أنفسهم هذا السؤال؟ لماذا هذا التشــتت فـــي صفوفهم؟ لماذا أخذت الكثيرين منهم لعبة المصالح والحسابات الخاصة التي تقدمت على غيرها من الحسابات؟ أليس هذا الوضع هو أحد أبرز المسببات لانتصار "حماس"؟ لماذا لا تكون مراجعة نقدية ذاتية؟ لماذا لا تكون ثمة رؤية للمستقبل؟ لماذا هذا التخبط؟ لماذا هذا التوتر والانفعال الناتجان عن عدم استيعاب الهزيمة؟ وفي الوقت ذاته تطرح أسئلة على الفريقين، السلطة و"فتح" من جهة، و"حماس" من جهة أخرى! هل الأولوية اليوم للشعب الفلسطيني وقضيته أم لا؟ وهل المصلحة هنا هي في الدخول في محاور وحسابات توتر الأجواء أكثر؟ فالدعم الإيراني مهم وليس جديداً لكن هل الارتماء في أحضان إيران أو اللجوء إليها ســيكون بــلا ثمن؟ ما هي نتائجه؟ ما هي انعكاساته في ظل وضع إيراني معقد مع المجتمع الدولي وفي العالمين العربي والإسلامي؟ وهل السلاح الفلسطيني في لبنان خارج المخيمات هو ضمان للدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه أم تهديد لها بعد التحرشات المتتالية بالجيش اللبناني والمشاكل المفتعلة من قبل المنظمات الحليفة لـ"حماس" ؟ إن كانت "حماس" لا تملك سلاحاً خارج أو داخل المخيمات وهي تؤيد الحوار بين اللبنانيين وننائجه، لكن "حماس" هي الحكومة اليوم فما هو رأيها؟ وما هو موقفها العملي؟ وما هي قدرتها على تنفيذه؟ لقد زادت تعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلي منذ أسابيع وتوسعت دائرة التوتر، وللأسف اشتد الحصار على الحكومة وعلى الشعب الفلسطيني وإسرائيل هي الرابح والمرتاحة. وكلما استمر الوضع الفلسطيني على ما هو عليه كلما تقدمت إسرائيل نحو مشروعها للفصل العنصري والإجراءات الأحادية الجانب التي تكرس أهدافها وتحمي مصالحها .. العالم بدأ يبتعد عنا، و بعض الدول الصديقة تقف اليوم مذهولة لتقول: ماذا باستطاعتنا أن نفعل للفلسطينيين في مقابل ما يفعلونه ببعضهم بعضاً؟ وماذا بإمكاننا أن نقدم لهم إذا كانوا هم لا يتقدمون خطوة نحو الاستقرار الداخلي والعقلانية والواقعية؟ "حماس" تقول إنها لم تعطَ الفرصة، وهذا صحيح ويجب أن تترك لتمارس دورها. والسلطة تقول إن "حماس" ذهبت بعيداً في بعض خياراتها وأخطأ بعض قادتها في بعض المواقف وهذا صحيح إلى حدود بعيدة. لكن الصحيح أيضاً أن المطلوب هو الاجابة عن سؤال المعركة الداخلية: مَنْ يسقط مَنْ؟ * عن صحيفة / (( الاتحاد )) الاماراتية
مَنْ يُسقط مَنْ؟
أخبار متعلقة