لاختلاف الطبيعة الأدبية والعصر
القاهرة/ 14أكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:أكد روائيون مصريون أن هذا العصر ليس هو عصر الرواية ولا القصة القصيرة ولكنه زمن المسلسلات التليفزيونية والفضائيات رغم أن الرواية أقدر على الوصول للقراء من القصة لأنها تعتمد آليات سردية تواكب العصر ويمكن أن تتحول إلى عمل سينمائي أو درامي كما أن الناشرين يفضلون نشر الروايات وليس نشر القصص قياساً لنواحٍ تجارية ولعدد الصفحات المطبوعة وعندما تحدث المواجهة مع الواقع نجد أن الأخبار الأدبية جميعاً مزدهرة ولا تطغى على بعضها البعض.يقول القاص يوسف الشاروني : نحن لسنا في زمن القصة أو زمن الرواية، نحن في زمن المسلسلات والتليفزيون، والقصة لم تمت ونادي القصة شاهد على ذلك، فكتابنا يعقدون الندوات والمسابقات في القصة كمسابقة يوسف إدريس في القصة التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة مؤخراً. ويضيف الشاروني: لدينا الآن كم هائل من الأعمال الروائية سواء كانت من قبل كتاب معروفين أو شباب، إلا أنه ليست كلها إصدارات علي المستوي الفني الجيد ، فبعضها رديء ولا يقرأ إلا في حدود ضيقة جداً ويقرؤها الأدباء لبعضهم البعض، والسبب في تلك الفوضى هو سهولة النشر، بالإضافة إلى أن القارئ أصبح لا يرى الأعمال الجيدة نتيجة قلة عدد الطبعات واقتصار التوزيع علي مناطق دون غيرها مما يؤثر بالضرورة على التلقي لدى القراء. أما القاص سعيد الكفراوي فيرى أن الفن لا يختفي طالما هناك مبدعون يمارسون ويطورون، ولكل جنس من الأجناس الأدبية مكانته ورسالته المختلفة عن الجنس الآخر، ولكل نوع أيضاً طريقته وقواعده التي يسير عليها، وتراجع جنس أدبي قليلاً لا يعني أنه منهزم أو متدهور، وقد أطلق الكثير من الروائيين مصطلح انتشر في الوسط الثقافي وهو أننا نعيش في زمن الرواية مما أثر سلباً علي القصة القصيرة، والرواية كأي جنس أدبي مطلوبة في وقتنا الحالي، ولعل السبب هو أنها أقدر الفنون على التعبير عن الواقع الذي نعيشه ومشكلاته ومتغيراته بالإضافة لكونها أقرب إلى قلب وعقل القارئ، ويمكن أن تترجم وتنفذ داخل وسائل الإعلام للتحول إلي أفلام ومسلسلات درامية، ونحن نشهد رواج إعلامي لا مثيل له، مما يعود على الرواية بالمنافع والمكاسب.ويشير الكفراوي أن القصة لا تختفي طالما هناك أدباء يكتبونها ويبدعون فيها، والدليل على ذلك أنني ما زلت حتى الآن أعيش في عالم القصة القصيرة مخلصاً لها لأنها الأقدر علي التعبير عن الألم والروح وصراع النفس الإنسانية والقصة الجيدة الهادفة أفضل من الرواية الرديئة التي لا تحمل قيمة أو مضمون، وقد ظلت القصة في الأربعينات والستينات الفن الأكثر ملائمة لتحقيق متعة التلقي ، وكانت أجود الأشكال القادرة على التقاط اللحظة الإنسانية وتناول الجماعات المغمورة والمهمشين وتداول السلطة، فكانت أروع أشكال الكتابة علي يد يوسف إدريس الذي شرح من خلال مشكلاته قضايا وطنه ومواطنيه.ويتهم الكفراوي وسائل الإعلام بأنها السبب وراء ازدهار فن الرواية وضياع القصة لأن الرواية قادرة على تناول ما يجري في حياتنا من صراع إنساني وسياسي واجتماعي واقتصادي، ولكن هذا لا يعني أن يتوجه الكتاب ناحية الرواية، ونحن أمام كتاب أصحاب مواهب كبيرة، وإسهامات في تجديد الفنون الأدبية .[c1]القصة فن جميل[/c]ويضيف الروائي فؤاد قنديل: كتبت القصة والرواية، ولم أتخل عن القصة القصيرة، ففيها ما هو أهم من الرواية وهو البراعة في الكتابة لأن كتابة القصة أصعب من كتابة الرواية، والدليل أن عدد كتاب القصة القصيرة قليل في مقابل عدد كتاب الرواية.ويرى قنديل: القصة فن جميل يخضع لإرادة الحرف والخطأ فيها ملموس بسهولة يمكن معرفته، على عكس الرواية التي تتسم بالمرونة وهضم الأخطاء لأنها تحمل الكولاج والتوثيق والتضمين والتناص، فالخطأ فيها يصعب الوصول إليه.ويشير إلى أن السبب الآن في هذا الوضع الذي تعاني منه القصة هو دور النشر التي ترفض نشر القصص لقلة عدد صفحاتها وترحب بالرواية لكثرة صفحاتها، مما يبعد القارئ عن هذا الفن، لذلك الناشرون ابتعدوا عن المفهوم التجاري للنشر، وحاولوا اختيار النصوص الجيدة بصرف النظر عن جنسها الأدبي، فيمكن نشر أفضل القصص لكتاب موهوبين في إصدار خاص، بالإضافة إلي كتابات الشباب، فكل هذا سيساهم في ظهور فن القصة القصيرة من جديد كفن راق له مكانته التي لا تخفي عن أحد.أما الروائي فتحي إمبابي فيرى أن القصة القصيرة مظلومة بسبب النقاد الذين لا يتابعون الأعمال الأدبية والجيدة، وبسبب أن النشر محدود القصص، مضيفاً أنه لا توجد أزمة في كتابة القصة القصيرة، لأن هناك مواهب متنوعة ولكنها تطرح موهبتها بشكل خاطئ ، إن الرواية تطرح نصوصاً لا تستطيع القصة طرحها، فهي تتصدي للظواهر التي يعاني منها الإنسان، وهي تحمل خبرات الروائي من واقعه، لذلك تمنح الفرصة والمساحة للتعبير عن طريق التفكير وعن التجارب الشخصية والذاتية للكاتب.[c1]القصة تناسب سرعة العصر[/c]وتضيف الكاتبة أمينة زيدان: أعتقد أن مقولة إننا في زمن الرواية تأتي من أن الإبداع الحالي مرتبط بالرواية، لأنها من ناحية التقنيات الروائية والموضوعات التي تناولتها شدت المشهد الإبداعي إليها ، وكان نتيجة لذلك هجر الكتاب لفن القصة القصيرة والسعي وراء عالم الرواية، وليس كتاب القصة القصيرة فقط هم الذين اتجهوا إلى الرواية ، ولكن أيضاً بعض الشعراء لجؤؤا لكتابة الرواية. وقالت أمينة: على الرغم أن القصة تناسب سرعة العصر وإيقاعه لأنها قصيرة، فإن الرواية الطويلة تجذب القراء أكثر، وهو ما يوضحه نسبة مبيعات الروايات، بالإضافة إلى أن الجوائز الأدبية الآن معظمها يمنح للإبداع الروائي وليس القصص، منذ فترة قصيرة حصل بهاء طاهر على جائزة بوكر العربية، ومن قبله حصل إدوارد الخراط علي جائزة الرواية العربية، وجائزة الشيخ زايد التي حصل عليها الروائي الليبي إبراهيم الكوني.ويري الناقد د. شريف الجبار أن القصة القصيرة ظلمت من حيث الكتابة النظرية في العالم كله، فأغلب الدراسات السردية تناولت الرواية وليس القصة، ومن الممكن أن تطبق تلك النظريات علي القصة، فمن المعروف الآن أن هناك تداخلاً بين بعض الأجناس الأدبية، وبعض الكتاب يكتبون روايات في شكل دواوين شعرية، ولكني أرفض هذا التداخل بين الأجناس الأدبية، لأن الفرق بين القصة والرواية ليس في الطول أو القصر، ولكنه فرق في التصور للعملية الإبداعية ذاتها . ويضيف الناقد د. محمد عبد المطلب: للقصة القصيرة بريق وتقنيات خاصة لا يستوعبها المشهد العام الذي يميل إلى الحكائية ولذلك يختفي بريقها الذي يتميز بالشحنة المكثفة عن الحزن والسعادة ، لأنها تتطلب تراثاً خاصاً ووعياً بالمتلقي فالقراء الآن هم قراء صحف ومجلات يبحثون وراء المشكلات وأبعادها ، هناك كتاب عرفوا بفن الرواية، وآخرون عرفوا بالقصة القصيرة وتفردوا بكتابتها، وقد كتب بعض الروائيين القصص إلا أنهم لم يبلغوا المستوى الفني والشهرة التي وصل لها كتاب القصص فإذا قارنا بين نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فنجد أن إدريس تفوق على محفوظ بالقصة ومحفوظ تفوق عليه بالرواية ، إن الواقع الثقافي على مستوي العالم يمنح الروائيين شهرة أكثر من القصاصين، والدليل على ذلك عدد الفائزين بالجوائز العالمية مثل نوبل، بالإضافة إلى أن الروايات أكثر انتشاراً بين القراء ودور النشر تفضل نشر الروايات عن المجموعات القصصية مما يدل لنا على ما تعانيه القصة.