أثمار هاشمكنت قبل بضعة أسابيع ضمن وفد ضم (13) صحفية يمنية من مختلف الصحف الحكومية والأهلية والحزبية في دورة تدريبية بالمملكة العربية السعودية نظمها مركز الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي في إطار الاتفاقية الموقعة بين وزارة الإعلام اليمنية ووزارة الثقافة والإعلام السعودية، وحقيقة الأمر فإن تلك الدورة كانت فرصتي الأولى لزيارة المملكة والتعرف عليها عن كثب بعد أن كانت معلوماتي عنها قاصرة على ما أقرأه من المواقع الالكترونية أو مشاهدتي للتلفزيون واعترف أني في كل مرة كنت أجد تضاربا في الأخبار والمعلومات التي اقرأها فإلى جانب خبر عن انتهاك لحقوق الإنسان يكون هناك خبر آخر عن أنجاز في أحد الميادين حققته امرأة الأمر الذي أدى إلى عدم وضوح في الأفكار والرؤى لدي حول المجتمع السعودي على إن الفكرة الأكبر التي كانت راسخة في ذهني هي أني سأذهب إلى مجتمع متزمت إلى أقصى حدود التزمت تحرم فيه النساء من حقوقهن ويجبرن على تغطية أنفسهن بالسواد كاملا.مدينة ذات أشكال هندسيةولحظة وصولي إلى مطار الملك خالد بن عبدالعزيز الدولي بالعاصمة الرياض والذي كان في حوالي العاشرة مساء يوم الجمعة الموافق7/ 11/ 2008م كانت بداية الانبهار بذلك البلد فكنت كلما تلفت حولي في المطاراجد مايشدني فتارة يقع نظري على شلال صناعي وتارة أخرى على أشجار غاية في التنسيق حتى خيل لي إني في حديقة وليس في المطار الذي كان فيه احد الموظفين بالسفارة اليمنية سهل لنا إجراءاتنا وكذا سيارات مخصصة لنقلنا وفرتها لنا وزارة الثقافة والإعلام السعودية وخلال الرحلة التي كانت طويلة نوعا ما بين المطار والفندق المخصص لسكننا كنت انظر بانبهار تام لكل ما أراه من نافذة السيارة من طرقات ،جسور، مبان شاهقة وأبراج وجميعها ذات أشكال هندسية ملفتة للنظر ومع هذا كنت أتمنى أن أرى احدا يمشي على قدميه في احد تلك الطرقات الكثيرة التي عبرت بها السيارة أو أن اسمع اصواتا تتعالى من أي مكان ولكن أياً من تلك الأشياء لم ألحظه حتى انه علق في ذهني وصف إحدى الزميلات عن تلك الحالة قولها إن الرياض (مدينة بلا روح).[c1]سعوديات كاشفات الوجه[/c]
في أول خروج لنا كوفد إعلامي برفقة فتيات سعوديات مكلفات من قبل الجانب السعودي بدأت نظرتي تتغير حيث كانت زيارتنا الأولى إلى ( برج الفيصلية ) الذي كنا ننظراليه من مطعم الفندق الذي نقيم فيه وهناك استمعنا إلى شروحات وصورعن مراحل إنشاء البرج منذ أن كان مجرد تصميم هندسي حتى أصبح شيئا واقعا كما علمنا كذلك أن هذا البرج الذي يصل طوله إلى حوالي ( 290 ) متراً يتكون من(44) طابقاً وهو ذو شكل هرمي مقوس الحواف واجهته زجاجية بالكامل و يعد أول برج في العاصمة السعودية ويوجد في أعلاه مطعم كروي الشكل يدعى (ذيغلوب) بعد ذلك استخدمنا المصاعد الزجاجية للوصول إلى احد طوابق البرج الذي كان يطل على مدينة الرياض ثم نزلنا بعد ذلك للتجوال بين المحلات التجارية وكذا مدينة الألعاب المصغرة التي يحويها البرج وكان ما بعث الدهشة فينا انه وعلى الرغم من أن هذا البرج مختلط للرجال والنساء إلا أن النساء كنا يتجولن فيه بمنتهى الحرية دون أي مضايقة أو خوف من احد وكانت المرة الأولى بالنسبة لنا التي نرى فيها سعوديات كاشفات الوجه.[c1]سوق العويس[/c]إلا إن الدهشة والإعجاب امتزجا عندي بحق خلال زيارتنا إلى سوق ( العويس) الذي يعد واحداً من الأسواق الشعبية القديمة في الرياض ويضم عددا كبيرا من المحلات التجارية ويمتاز بشوارعه النظيفة والمرصوفة ولكن الشيء المميز في هذا السوق هو وجود بعض النسوة الكبيرات في السن اللاتي يمتلكن بسطات ـمفارش ـ في ذلك السوق بالقرب من المحلات دون أي استنكار أو استهجان من قبل أصحاب المحلات يبعن فيها بعض الملابس والعاب الأطفال والعطور لمواجهه مصاعب الحياة المادية والتغلب عليها حينها قلت في نفسي إننا على الرغم من قولنا إننا نتمتع بهامش كبير من الحرية إلا أني لم أشاهد مطلقا أي امرأة تقدم على امتلاك مفرش تبيع فيه بعض الأشياء وتداوم على العمل فيه يوميا.[c1]مركز الأمير سلمان الاجتماعي[/c]
غير إن مااثار إعجابي وحسرتي معا على حال نسائنا باليمن كان أثناء زيارتنا إلى مركز الأمير سلمان الاجتماعي والذي يقع على مساحة تصل إلى أكثر من(105) آلاف متر مربع مقسم إلى مبنيين احدهما للرجال والآخر للنساء وأمام بوابة صغيرة غير ملفتة للنظر توجد في ساحة ذلك الفناء الكبير الذي ازدحم بالسيارات توقفت السيارة التي كانت تقلنا ونزلنا منها ونحن لانعرف ما الذي ينتظرنا إلا أننا وجدنا أنفسنا داخل غرفة صغيرة للأمن تقوم مجموعة من النساء بتفتيش الداخلات بحثا عن سجائر أو مأكولات ولكن حال معرفتهن بأننا وفد إعلامي يمني لم يتم تفتيشنا ومن الباب الآخر لتلك الغرفة خرجنا لنجد أنفسنا في ساحة متوسطة الحجم مزينة بالأشجار والورود وما أن تجاوزناها عبر مرورنا بممر صغير كان أشبه بانتقالنا لعالم آخر وجدنا أنفسنا في صالة كبيرة مؤثثة بشكل أنيق وتزينها الأشجار الاصطناعية وتجلس عليها النساء براحة تامة كما تتفرع من تلك الصالة ممرات عدة تعج بالحركة وقبل أن نستوعب مايدور حولنا فوجئنا بمديرة المركز (القسم النسائي) ترحب بنا بحفاوة ومعها عدد من الفتيات السعوديات العاملات في المركز واخذتنا إلى لغرفة مخصصة لاستقبال الضيوف شاهدنا فيها عرضا بالكمبيوتر عن أقسام المركز والأنشطة التي يقيمها وأوضحت لنا مديرة المركز التي كانت بمنتهى اللطف والبشاشة وتتحدث بلكنة سعودية أصيلة إن هذا المركز أنشئ عام1997م وكان الغرض من إنشائه تقديم الرعاية النهارية للنساء فوق سن (55) عاماً خاصة وان المملكة لايوجد فيها دار للمسنين كونه يتنافى مع عادات المجتمع السعودي الذي يرى بان على الأبناء القيام برعاية آبائهم وأمهاتهم ونظراً لان عدد من النساء المسنات كن يحضرن برفقة بناتهن أو حفيداتهن فقد تم تخفيض سن العضوية إلى (25) عاماً وتقتصر عضويته على النساء السعوديات ودول مجلس التعاون الخليجي ويرتاد المركز الذي يعمل طيلة أيام الأسبوع عدا الجمعة على فترتين صباحية ومسائية مابين(400-300) امرأة يومياً ويرتفع هذا العدد ليصل إلى (3000) امرأة في فترة المهرجانات التي يستضيفها المركز إضافة إلى تنظيمه للندوات الصحية لتثقيف العضوات عن بعض الأمراض ، بعد ذلك أخذتنا مديرة المركز معها في جولة بأقسام المركز منها قسم تسجيل العضوية،المكتبة، العلاج الطبيعي ،المختبر الذي يقوم بإجراء بعض الفحوصات الدورية للعضوات ونصحهن بالذهاب للطبيب المختص إن كانت حالتهن تستدعي ذلك. كما مررنا كذلك على الصالة الرياضية والمسبح وكان الملفت للنظر أثناء جولتنا تلك إن جميع العاملات جالسات في أماكنهن حتى وان لم يكن هناك عمل يقمن به. بعدها انتقلنا إلى حديقة المركز الذي كانت تجري في احد أنحائه بعض أعمال التوسعة لنكتشف وجود خيمة كبيرة مفروشة على الطريقة البدوية بداخلها عدد كبير من النساء واللاتي ما أن علمن من المديرة أننا صحفيات يمنيات حتى رحبن بنا ومن خلال أحاديثنا معهن اخبرننا بأنهن يواظبن على الحضور يومياً إلى المركز وان الصداقة ربطت بينهن منذ مايقرب من العشر سنوات وكان واضحاً إن مديرة المركز تعرف جميع العضوات ومازلت أتذكر كيف أن إحدى النساء استوقفتها لتبدي استهجانها من ملابس بعض العضوات الشابات والتي من وجهة نظر المرأة المسنة تلك بعيدة عن الحشمة وتتنافى مع القيم الإسلامية بعدها خرجنا من تلك الخيمة وبدأنا المشي عبر مضمار السباق الذي يصل طوله إلى نصف كيلو متر وهي تتحدث عن المركز وأثناء تجوالنا سنحت لنا الفرصة للحديث مع بعض الفتيات السعوديات العاملات في المركز وعن الانطباع الذي كان لدينا عنهن فاجبن بان مايعكسه العالم عن واقع المرأة السعودية ليس صحيحاً فهن مثلاً يأخذن حريتهن في العمل بالمركز أو الخروج للسوق وهن كاشفات الوجوه دون خوف من الهيئة (هيئة الامربالمعروف والنهي عن المنكر) لأنهن يعتقدن إن الهيئة لن تقترب من أي إنسان يحافظ على الأخلاق بل على العكس فان الهيئة تمثل حماية لهن من مضايقات الشباب بعد ذلك عدنا إلى داخل المركز للخروج من البوابة التي دخلنا منها ومثلما كان استقبالنا بحفاوة كان وداعنا كذلك مع فارق واحد أنني تمنيت أنا وغيري من أعضاء الوفد لو أن مثل هذا المركز موجود باليمن ليتيح للمرأة اليمنية فرصة ممارسة الهوايات والأنشطة المتعددة وبمنتهى الحرية ولكن الأمنيات تظل أمنيات فوجود مكان مثل هذا يجمع نساء من مختلف الفئات العمرية سيسهم في تقريب وجهات النظر بين الأجيال وسد الفجوة من خلال الاشتراك في بعض الأنشطة.[c1]مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية[/c]
«خطوات صغيرة .. آمال كبيرة» ذلك هو شعار مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية التي حالفنا الحظ بزيارتها ومشاهدة عرض عن أقسام المدينة والخدمات التي تقدمها والاستماع إلى حكايات بعض الأشخاص الذين تم إعادة تأهيلهم . فهذه المدينة افتتحت عام 2002م بناء على إحصائيات بينت وجود (750) ألف معاق بالمملكة ليكون هدفها التميز العالمي في مجال التأهيل من خلال الإمكانيات البشرية والتقنية التي تحويها هذه المدينة لإعادة المرضى إلى حالتهم الطبيعية ودمجهم في المجتمع وقد حصلت هذه المدينة على اعتراف هيئة دولية بالجودة وتقدم خدماتها للسعوديين ودول مجلس التعاون الخليجي حيث يعمل فيها عدد كبير من الأطباء والموظفين من مختلف دول العالم وتضم هذه المدينة اكبر مركز تأهيل طبي في الشرق الأوسط للمعاقين والأشخاص الذين يعانون من عجز جسماني أو خلقي أو إدراكي يستوعب(4500) مريض سنوياً بمختلف التخصصات مثل تأهيل إصابات العمود الفقري ، الإصابات الدماغية، مبتوري الأطراف، الجلطات الدماغية، الأطفال والتدخل المبكرالى جانب العيادات الخارجية التي تضم تخصصات طبية ترتبط بالتأهيل . بعد ذلك بدأت جولتنا الميدانية في أرجاء المدينة زرنا فيها قسم صناعة الأطراف الصناعية وشاهدنا عن كثب كيفية صناعة تلك الأطراف كما زرنا كذلك قسم إعادة تأهيل النساء اللاتي يعانين من الإعاقات الجسدية ولاحظنا أثناء تجوالنا في أروقة المدينة انه تم عمل نماذج تحاكي ماهو موجود بالواقع مثل الشوارع والمطبات والسيارات إضافة إلى أرفف السوبر ماركت لتدريب وإعادة تأهيل المعاقين على الاعتماد على أنفسهم عندما ينهون العلاج،أما قسم الأطفال فقد كان بعيداً نوعاً ما عن أقسام الكبار و تطلب انتقالنا إليه سيارة وهناك وجدنا المكان مزدحماً بالأطفال مع أهاليهم وأوضحت المسؤولة عن القسم انه في بعض الحالات المتعلقة بالأطفال فان الحاجة تستدعي وجود الأب أيضا إلى جانب الأم للمشاركة بالعلاج حتى يتقبل الأب مرض طفله ويسهم في علاجه . عند هذا الحد انتهت زيارتنا لمدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية وبمنتهى الأمانة فقد كان المكان بمنتهى الروعة فيكفي المريض أن يشعر بان هناك أماكن مؤهلة لعلاجه وأشخاصاً يعملون على مساعدته دونما كلل أو ملل وتساءلت في داخلي هل سيأتي اليوم الذي نحظى فيه في اليمن بمركز متخصص ؟.