عدن/نصر باغريب: يقوم الدكتور/محاضير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق والشخصية الاقتصادية والسياسية الدولية يوم الأربعاء المقبل الموافق 24 ديسمبر بزيارة إلى مدينة عدن في إطار زيارته لبلادنا . ومن المقرر أن يلقي الدكتور/محاضير محمد أثناء زيارته محاضرة علمية قيمة في القاعة الكبرى بديوان جامعة عدن تتناول تجربة ماليزيا الاقتصادية الناجحة التي حولتها من دولة فقيرة إلى دولة صناعية تصنف ضمن مجموعة دول النمور الأسيوية.وسيتطرق في محاضرته إلى التوجهات الاقتصادية الدولية الجديدة، وأسباب وتداعيات الأزمة المالية العالمية، ووسائل مواجهتها والحد من أثارها، ناهيك عن سبل تعزيز العلاقات الاستثمارية والاقتصادية الماليزية اليمنية.وسيقوم الدكتور/محاضير محمد بزيارة ميدانية للحرم الجامعي الذي يضم كليات جامعة عدن الجديدة في مدينة الشعب التي وجه فخامة الأخ/علي عبدالله صالح بإنشائها في إطار توجهات القيادة السياسية في بلادنا لتطوير ودعم التعليم الجامعي في الجمهورية اليمنية.كما سيقوم بزيارة استطلاعية لميناء عدن والمنطقة الحرة وعدة منشات اقتصادية في المحافظة ليطلع على الإمكانيات المتاحة للاستثمار فيها والتطورات التي تشهدها وماتتمتع به اليمن من ضمانات وتسهيلات مشجعة للمستثمرين، وستقام على هامش الزيارة أمسية على شرف الدكتور/محاضير محمد والوفد المرافق له من رجال الأعمال الماليزيين يلتقي خلالها بعدد من رجال الأعمال اليمنيين للتشاور حول فرص الاستثمار الماليزي في اليمن.وكانت أخر زيارة للدكتور/محاضير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق لبلادنا تمت في 5 مايو 2004م وهي الثانية التي يقوم بها إلى اليمن وكانت الزيارة الأولى له في 2001م. وتعد زيارة الأربعاء المقبل هي الثالثة لبلادنا بعد أن سلم سفير اليمن لدى ماليزيا عبدالله محمد المنتصر في الـ 10 نوفمبر 2008م في العاصمة الماليزية كوالالمبور رسالة من رئيس مجلس الوزراء الدكتور/ علي محمد مجور إلى رئيس وزراء ماليزيا السابق الدكتور/ محاضير محمد تتضمن دعوته لزيارة اليمن لحضور مؤتمر الصناعات اليمنية الذي تنظمه وزارة الصناعة والتجارة والغرفة التجارية والصناعية بمحافظة حضرموت خلال الفترة من 20 إلى 23 ديسمبر القادم. وقد استكملت الترتيبات النهائية لزيارة أكبر وفد تجاري ماليزي لليمن خلال الفترة 20 - 25 ديسمبر 2008م والذي يضم إضافة للدكتور/محاضير محمد السيد/ علي العطاس رئيس غرفة التجارة والصناعة الماليزية، وسيضم الوفد التجاري 40 شخصية من مختلف قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والاستثمار في ماليزيا. وتأتي زيارة الوفد التجاري الماليزي لليمن بالتزامن مع موعد إنعقاد مؤتمر الصناعات اليمنية المنعقد برعاية وزارة الصناعة و التجارة اليمنية و الغرفة الصناعية و التجارية في مدينة المكلا الذي سيشارك فيه مهندس الاقتصاد الماليزي الدكتور/ محاضير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق. يشار إلى أن الدكتور/محاضير محمد من مواليد عام 1925م درس الطب وتخرج طبيبا في جامعة الملاي في عام 1974م تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم. ثم نائبا لرئيس الوزراء، وعام 1981م تولى رئاسة الحكومة. وكان كتاب (معضلة الملايو).. معضلة حقيقية لمحاضير محمد، فحين كتب محاضير الكتاب عام 1970 قامت الدنيا ولم تقعد لاتهامه شعبه بالكسل والاتكالية، داعيا فيه إلى ثورة صناعية شاملة تتيح لماليزيا الخروج من حلقة الدولة الزراعية المتخلفة.وبين منع الكتاب من قبل منظمة المالايو القومية المتحدة وبين قدرة محاضير على التنظير والقدرة على كسب الأتباع داخل حزبه، صعد نجمه السياسي بسرعة قياسية ليتولى رئاسة وزراء بلاده عام 1981م ولمدة 22 عاما، مما أتاح الفرصة كاملة لآن يحول أفكاره إلى واقع، جاعلا من ماليزيا احد انجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الإسلامي، فمن دولة زراعية تعتمد علي إنتاج وتصدير المواد الأولية ، خاصة القصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85 % من إجمالي الصادرات، وتنتج 80 % من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52 % إلى 5 % فقط في عام 2002 ، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002م وانخفضت نسبة البطالة إلى 3 % وكان سبب ذلك تبني محاضير مجموعة من السياسات أتاحت لماليزيا لان تكون البيئة المثالية لأفضل الاستثمارات في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. ولم يكن محاضير سياسيا يتولي رئاسة الوزراء فحسب بل كان مفكرا له كتبه ومؤلفاته، وصاحب إستراتيجية واضحة تدعمها رؤية مستقبلية لما ينبغي أن تكون عليه بلاده. فمحاضير محمد هو مهندس خطة 2020م، والتي تقوم علي فكرة أن تصبح ماليزيا بحلول التاريخ المذكور دولة صناعية كبري، وفكرته كانت تتلخص في الوصول إلى معدل نمو بنسبة 6.7% في الفترة من 1971م إلى 1990م، ثم بنسبة 7.1% في الفترة من 1991 إلى 2000م لتكون قادرة على تحقيق هذا الهدف إذا كررت نفس السيناريو. يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء أن حكومته أدركت تماما أهمية أن يصاحب التطور الماليزي القيم الأخلاقية والاجتماعية، ولهذا دعي دائما إلى النظر إلى الشرق، والمقصود بذلك اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا التي تقوم أساساً علي الانضباط الشديد والإخلاص التام للعمل ، والحرص على اختيار قيادة إدارية ماليزية واعية، وقد يبدو هذا مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن محاضير رأي دائما أن ثقافة العمل في اليابان بشكل خاص هي الأنسب لثقافة وتكوين بلاده.ووصلت ماليزيا في عهده ذرى لم تصل إليها دولة إسلامية أخرى حتى اقترب نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي إلى 10 آلاف دولار سنويا لقد حقق د. محاضير السلام الداخلي في ماليزيا من خلال سياسات إنتاجية وتنموية، ونجح في عقد صفقة تاريخية بين أرجاء النخب الماليزية وفي المقابل أعطى فرصة متميزة للطائفة المالاوية في مجالات الصحة والتعليم الرؤى والأفكار.. محاضير رجل لا يرى الإسلام مجرد ممارسة مجموعة من الشعائر الدينية بل منظومة متكاملة تصلح لجميع شؤون الحياة وبفضل هذه العقلية الجبارة والروح المتشبعة بتعاليم الشرع نهض عالم الشرق الآسيوي المنازع لقوة الغرب المادية والمفارق له ثقافيا في الوقت نفسه، وفي قلب الصورة المضيئة لمع اسم مهاتير، فلم يكن الرجل مجرد أداة لتطور تاريخي يتداعى بالعدوى من محيط الجوار الناهض، بل كان يدرك ما يفعل بالضبط، فهو رجل الفكر والإنجاز في آن، هو الطبيب الذي تحول إلي أفضل خبراء الاقتصاد، وهو الحاكم الذي تحول إلي أعظم مفكر وصاحب نظرية للطفرة الآسيوية. وتجربة ماليزيا في ظل حكم مهاتير نجحت في خلق توازن عرقي يجنب البلاد الصراعات والخلافات بين المجموعات العراقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58 % من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7 %.وكان أخر ما قاله قبل تركه منصبه (وقتي انتهى.. لن أتولى أي مسؤوليات رسمية بعد 31 أكتوبر 2003م لأنه من المهم أن يتولى قيادة ماليزيا جيل جديد بفكر جديد). هذا آخر ما تحدث به هذا العبقري.. إبداع في البدايات وروعة في النهايات لحقا هو إحدى المعجزات في عالم اليوم!.
