نجمي عبدالمجيد دونت كتابات المؤرخ الراحل حمزة علي لقمان في مؤلفاته التاريخية ومقالاته الصحفية عدة حكايات وأساطير من تاريخ عدن، إلى جانب الدراسات المتعددة المتصلة بالتاريخ اليمني وهذه ،المرجعية في أعماله تعد من البحوث الهامة في معرفة بعض الجوانب من أحداث التاريخ.في مجال التاريخ الشعبي للحكاية والأسطورة في مدينة عدن له عدة إسهامات تعد من حيث الأهمية السند الموضوعي لمن يريد دراسة الأسطورة العدنية.من أقدم الأساطير العدنية ما ذكر عن قتل قابيل لأخيه هابيل وفراره إلى عدن مع أخته اقليمة خوفاً من غضب أبيهما آدم كما جاء في سفر التكوين من العهد القديم الذي يعود زمن تدوينه إلى مابين-1420 1220 قبل الميلاد وبعد أن دفنا جثة هابيل فوق جبل يقال إنه جبل التعكر الذي يعرف الآن باسم جبل حديد ظهر لهما إبليس وأغراهما لعبادة النار وأقام لهما معبداً فوق جبل صيرة.يقول الأستاذ حمزة علي لقمان عن حكاية شيطان البئر:”ذكر الكتاب المسيحيون أن القديس بار تلميو زار عدن وهو في طريقه إلى الهند وأنه رأى أهالي عدن واقعين تحت سيطرة الأرواح الشريرة يعبدون النار والشيطان ويقدمون القرابين وكان الشيطان يسكن بئراً يقال إنها تقع فوق جبل صيرة ويقال إنها في شارع الزعفران وكان الناس يحصلون على مائهم من هذه البئر.وحين يجتمعون حولها يصرخ الشيطان من بطنها ويقذف اللهب فيخر الناس سجداً فغضب القديس وقرر أن يحضر ويشاهد أعمال الشيطان.ولما رأى الشيطان القديس صرخ وقذف اللهب فوضع القديس عباءته حول وجهه وتقدم وهو يقول : (باسم المسيح المنقذ ابتعد أيها الشيطان وليتجمد ماء هذه البئر) وفي الحال انطفأت النار وغاب الشيطان إلى غير عودة وتجمد ماء البئر.كذلك يذكر الكاتب حمزة لقمان أن أهالي عدن في العصور القديمة كانوا يعتقدون بوجود الجن والعفاريت في جزيرة صيرة وعندما يكون دخول السفن صعباً بسبب الرياح الموسمية يأخذ الأهالي سبعة ثيران إلى جبل صيرة عند غروب الشمس وبعد منتصف الليل يذهبون ويختارون واحداً ويربطونه هناك ويعودون بستة وقبل طلوع الفجر يذبحون الثور المربوط ويقذفون بلحمه في البحر وكانوا يعتقدون بأن السفن تستطيع بعد ذلك الدخول إلى ميناء صيرة بسلام وقد ظلت هذه العادة سارية حتى أبطلها بنوزريع.أما الأساطير الهندية المتصلة بالتاريخ الشعبي لعدن فيقدم لنا الأستاذ حمزة علي لقمان حكاية آلهة الهند راما وسيتا وهانومان وراون حيث يقول: (في ليلة كئيبة من ليالي”ايوديا” عاصمة المقاطعة الهندية “كوسالا” تسلل الجني راون إلى القصر الملكي ودخل غرفة نوم الأميرة سيتا زوجه الأمير راما ولي عهد الملك “داسارتا” ونظر راون إلى الجمال النائم ويديه الضخمتين ورفع السرير وطار به في الهواء حتى وصل إلى قمة جبل صيرة الذي يربض أمام مدينة عدن وجلس راون على صخرة ثم قام وألقى على الأميرة نظرة ثم حملها بين ذراعيه وهي تناضل عن حريتها وفي تلك الأثناء كان البحث جارياً عن الأميرة سيتا وما أن علم هانو مان ذو الروح المقدسة وشكل القرد بنبأ اختطاف الأميرة حتى حفر نفقاً تحت البحر من مدينة أوجين فكرا ماديتا حتى وسط جزيرة صيرة ومن فتحة النفق رأى الأميرة ممددة تحت شجرة شوك فاقدة الوعي ولم يكن راون موجوداً حينذاك فحملها هانو مان برفق وهبط بهافي النفق وسار بها مسرعاً حتى وصل إلى أوجين عند الفجر وسلها لزوجها الذي فرح وأقام الزينات في طول البلاد وعرضها ومن الأساطير والحكايات الشعبية التي تصور عدة جوانب من مخيلة الذاكرة العدنية في هذا الاتجاه الخرافات التي شاعت بين سكان عدن لعقود زمنية عديدة ما كان يقال من حكايات عن جنية العقبة فقد ظلت هذه الخرافة تدور أحداثها وتطرح عنها أكثر من قصة.غير أن مسألة تحديد الحقبة التاريخية التي ظهرت فيها هذه الحكاية غير معروفة فقد تكون بعيدة الزمن وتعود إلى عدة قرون عند ما كانت عدن مدينة تعيش في ظل الأوضاع القديمة وقد تكون من إفرازات حالات التطور الذي انتقلت إليه عدن ولكن معظم ما يقال من حكايات عن جنية العقبة يعود إلى مرحلة الخمسينات من القرن الماضي.
وحمزة علي لقمان يقدم لنا حكاية من تلك الحكايات قائلاً: (عند منتصف الليل كان يسوق سيارته في طريقه إلى مدينة عدن وبينما هو قرب العطفة في طريق العقبة رأى امرأة تشير إليه بالوقوف فاستغرب وجود امرأة في ذلك المكان وفي هذا الوقت من الليل لكنه اقترب منها و أوقف سيارته وفتح لها الباب فصعدت وجلست بالقرب منه وعندما وصل إلى باب العقبة نظر إلى الشرطي الواقف هناك ثم نظر أمامه وهو مازال يسوق أصابته الدهشة عندما لم يسمع حركة المرأة الجالسة منه فالتفت إلى حيث كانت تجلس فلم يجدها ونظر إلى المقعد الخلفي فلم يجدها هناك ياللعجب هل طارت المرأة في الهواء؟أصابه رعب قاتل وأسرع يطوي الأرض تحت عجلات سيارته وكان الشياطين تطارده حتى وصل إلى عدن.هذا النص من حكايات الخرافة التي ظلت في وجدان العامة لسنوات فهناك من الناس من أكد وجود (جنية العقبة) وهناك من قال إنها مجرد خرافات وهناك من قال لقد تركت هذا المكان بعد تفجير عقد باب عدن في عام 1963م ولكن مع تقدم الزمن أصبحت هذه الخرافة من الماضي بل غابت عن ذاكرة الأجيال في الحاضر.إن الحقبة التاريخية التي أوجدت هذه الخرافة تعود كما يبدو إلى مرحلة كانت فيها عدن مدينة تربطها عبر هذا الخط طريق ترابية ولم تكن هذه المساحات من عدن عامرة بالوحدات السكنية وكانت مناطق خلاء وربما يكون أقدم مبنى أقيم في المعلا في العهد البريطاني هو مقر المحفل الماسوني العدني والذي يعود إلى عام 1850م في نفس المكان الذي يقع فيه مكتب محافظة عدن في الوقت الحاضر.لذلك كان مرتبطاً زمن ظهور حكاية جنية العقبة بوضع المكان قبل التوسع العمراني الذي جاء منذ عام 1952م وشمل مناطق عديدة في عدن ولكن ظلت هذه الحكاية يعاد تداولها بين الناس حول ظهور الجنية في هذا المكان إلى أن غابت تلك الخرافة نهائياً.من الأساطير العدنية يقدم حمزة لقمان هذه الحكاية وعنوانها الطباخة: (كان الرجل مصاباً في ظهره لا يستطيع حراكاً إلا بصعوبة وكان يعيش وحيداً في منزله يقاسي من آلام المرض وآلام الوحدة وكان أصدقاؤه يزورونه من وقت لأخر وفي أحد إلاايام زاروه فوجدوه في حالة سيئة فقرروا أن يبقى أحدهم معه في المنزل للعناية به ووضع الصديق سريره بالقرب من سرير المريض.كان المنزل يتكون من غرفة وفناء بنيت في جزء منه غرفة مؤقتة من الخشب لخزن أدوات المنزل وإلى جانب الدرج يوجد حمام ومطبخ.كان المريض ينام في الغرفة قريباً من الباب وعندما جاء الصديق للعناية به جعل سريره مقابلاً لسرير المريض وفي تلك الليلة ظل المصاب متيقظاً أما الصديق فنام ملء عينيه بمجرد أن وضع رأسه على الوسادة وفي منتصف الليل بينما المريض يئن ويتألم أحس بحركة في فناء المنزل فظن أن صديقه يسير هناك لكنه عندما نظر إلى سريره وجده مستغرقاً في النوم استغرب المريض لكنه تمالك نفسه وبعد قليل أحس بحركة عند الباب فأدار رأسه فغرفاه من الدهشة وهو يرى طفلاً صغيراً ينظر إليه. عجباً إنه وحيد في المنزل فكيف جاء الطفل ومن أين أقبل وباب الدرج مغلق من الداخل وهل لمثل هذا الطفل أن يتسلق ويدخل في مثل هذا الوقت من الليل؟نسي آلامه وتحامل على نفسه وشعر بقوة تغمره وتجعله يغادر السرير محني الظهر عندما رأى الطفل ينسحب إلى الفناء وألقى نظرة شاملة وتوقف بصره على باب الغرفة الخشبية وعقدت الدهشة لسانه ولم يبد حراكاً فقد رأى امرأة جالسة على الأرض وبيدها مروحة تروح بها على نار مشتعلة عليها قدر ينبعث منه دخان كثيف وكان الطفل يلعب خلفها ويتسلق ظهرها وهي تحاول إبعاده عنها باليد الأخرى ورفعت رأسها ونظرت إليه لكنها استمرت منهمكة في عملها بهدوء.استمر ناظراً إليها متعجباً وكاد يصاب بلوثة لولا أن المرأة ظلت هادئة.وكان هدوؤها باعثاً على اطمئنانه فتشجع وكلمها: “من أنت وكيف جئت ومن أين أقبلت ولم يتلق رداً وأعاد السؤال لكنها لم تجب وسألها إذا كانت من سكان المنزل فهزت رأسها بالإيجاب وسألها عن مدة سكناها فرفعت يدها وأشارت بأصابعها الخمس.واستمر يسألها وهي تجيب عن بعض أسئلته بالإشارة فقط وأخيراً قال لها بأنه صاحب المنزل وإنه يسمح لها بالبقاء على أن لا تؤذيه ولا يؤذيها.ولما عاد إلى سريره أيقظ صديقه فهب من نومه مذعوراً ظاناً أن صديقه بحاجة إليه إلا أنه فوجئ بالمصاب واقفاً يخبره بما رأى فحاول أن يخفي رأسه تحت الوسادة.وأخيراً وبعد الحاح رافقه إلى الفناء فرأياها تختفي مع طفلها والموقد ولم يبق أي أثر لما شاهَداه.من الأسطورة إلى الحكاية القائمة على الحدث التاريخي ومن صفحات التاريخ وما مرت على عدن من وقائع يذهب الأستاذ حمزة لقمان إلى تلك المراحل من الحقب الزمنية وعرض ما جرى في عدن وما كان من أخبار أهلها فالحكاية تعرض في إطارها التاريخي الحامل لخاصية هذه المدينة التي عرفت عبر حقبها عدة صراعات وفترات من الازدهار ومن تاريخ عدن في الحقب القديمة يختار لنا الكاتب حكاية جرت أحداثها في الماضي من عمر هذه المدينة وهي تقدم لنا صورة عن الميناء وبوابة البحار نحو العالم وحكاية الداخل إليها وما يلقى من أمور في ظل حكامها وهذه هي الحكاية كما يسردها حمزة لقمان بأسلوبه المعبر عن القصص التاريخية وأخبار زمانها. [c1]زيارة في منتصف الليل[/c](وقعت هذه القصة في أيام دولة بني زريع في عدن -1048 1144م)رست السفينة في ميناء صيرة ونزل الربان عند منتصف الليل يطوف الشوارع مفكراً ممعناً النظر فيما حوله حتى رأى أمامه داراً جميلة المنظر تنيرها الشموع وتبعث من نوافذها الروائح العطرية.نظر الربان إلى الباب الواسع المغلق ووقف عنده متردداً وتلفت يميناً ويساراً ثم تقدم ودق الباب بعد لحظات فتحت كوة في الباب وظهر وجه صبية سمراء تفرك عينيها لتبعد عنهما آثار النوم.وتفحصت وجه القادم وملابسه بانتباه وحذر وقالت من تريد أيها السيد وما اسمك وما عملك؟وأجابها أنا دبان سفينة جئت أطلب رب هذه الدار.وقالت الصبية هلا انتظرت قليلاً حتى أرى إن كان متيقظاً.وصعدت إلى جناح سيدها فراته يطالع بعض الأوراق ولما أخبرته بالقادم أمر بإدخاله وحين ظهر الربان أمام باب الغرفة وقف له رب الدار وحيا كل منهما الآخر وبعد أن استقر بالربان المقام قال متردداً سيدي أنت لا تعرفني وأنا لا أعرفك فأنا غريب عن هذه الديار لم أصل إليها إلا قبيل منتصف الليل على سفينتي.وقال رب الدار: أهلاً بك وسهلاً إن عدن تكرم الضيف وتحسن إلى الغريب.وقال الربان: شكراً لك يا سيدي لقد قضيت وقتاً أطوف الشوارع باحثاً عمن يمكنني الوثوق به.وقال رب الدار: وهل وجدته؟وأجاب الربان: نعم يا سيدي إن منظركم يوحي إلى النفس بالاطمئنان.وقال رب الدار: يمكنك أن تثق بي أيها الربان.وقال الربان بخجل: إنه سر خطير قد يكلفني حياتي.وقال رب الدار: إن حياتك في مأمن عندي وإذا كان سرك لا يتعلق بقضية قتل فإنني أعدك بشرفي بكتمانه.وقال الربان: يا سيدي لقد قدمت الليلة على سفينتي من الغرب تحمل أموالاً ثمينة لا أعرف كيف أخفيها وأين أخفيها.وقال رب الدار: وممن تخاف عليها؟وقال الربان: من ملك هذه الديار الداعي المعظم أبن زريع ومن نوابه.نظر رب الدار إلى الربان طويلاً ثم قال:هل ترغب في إخفائها عندي؟وأجاب الربان: نعم يا سيدي لو قبلت وأنا مستعد أن أسلم عمولة خاصة.وقال رب الدار مبتسماً: لا تخف من المعتدين أحمل كل ما تريد إخفاءه إلى المنزل الرابع على يمين هذا الشارع وسأرسل بمن يكون في استقبالك هناك.غادر الربان مطمئناً عائداً إلى سفينته وطلب من التجار الذين معه أن يحملوا كل ما يريدون إخفاءه إلى المنزل الذي أشار إليه رب الدار ثم نام الربان هادئ البال.في صباح اليوم التالي ذهب إلى مجلس الداعي المعظم كعادة ربابنة السفن في تلك الأيام للتسليم عليه ولما نظر إلى الداعي انهمر العرق منه غزيراً وارتعد جسمه فقد كان الداعي هو نفس رب الدار.أنشغل بال الربان وتوقع أشد ألوان العذاب ومضت لحظات كأنها ساعات طويلة بطيئة ثم سمع صوت الداعي يناديه فلما وقف أمامه قال له بصوت لا يسمعه غيره: إني أنا الداعي ورب الدار التي زرتها البارحة وقد وعدتك بشرفي أن لا أسبب لك مكروها وأنا عند وعدي وكنت قد أدركت أنك تتهرب من دفع الرسوم الجمركية والعشور على الأموال الثمينة التي تحملها سفينتك.واعلم الآن أنني وهبتك المنزل الذي خزنت البضاعة فيه وألف دينار مصاريف إقامتك في عدن لكنني أحذرك من أن تفعلها ثانية ولما اطمأن الربان قال: ولم فعلت معي كل هذا يا سيدي الداعي.أجابه الداعي: لأنك نزلت ضيفاً علي في داري وأعطيتك وعد الشرف والضيف والشرف غاليان.وبعد أن غادر الربان المجلس أمر الداعي ببناء سور على الشاطئ ليحول دون تهريب الأموال من السفن.[c1]المراجع:[/c]مؤلفات: حمزة علي لقمان تاريخ الجزر اليمنية مطبعة يوسف وفيليب الجميل بيروت - 1973مأساطير من تاريخ اليمن دار المسيرة- بيروت 1988م.قصص من تاريخ اليمن دار الكلمة - صنعاء 1985م.