صباح الخير
بلادنا ببحريها العربي والأحمر.. بموقعها الفريد الذي ينفتح على المحيط، ويتحكم في مضيق باب المندب. بسواحلها المديدة بجزرها العديدة في البحر الأحمر وبحر العرب، هذا الموقع الفريد أعطى لليمن دورها الهام في تاريخ المنطقة وتاريخ الحضارات، فاليمن ـ أساساً ـ دولة بحرية وإقليم تجاري، وقد لعبت التجارة الدور الفاعل في تكوين وازدهار اليمن خلال نهوضها الحضاري في العصور القديمة، كما كان له دور في قيام وسقوط الدويلات اليمنية في العصر الوسيط، وشكل البحر والعامل التجاري والاقتصادي وموقع البلد الاستراتيجي عاملاً في الهجمات الاستعمارية المتوالية خلال القرون الماضية التي تعرض لها اليمن والمنطقة بكاملها.كان الصراع الدولي ولا يزال يدور في المنطقة حول النفوذ ومحاولات السيطرة على الطرق والمواقع والمنافذ البحرية ومناطق الثروات، ففي القديم كانت حملات ومحاولات الإمبراطوريتين العظيمتين حينها: الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية، ثم كانت الحملات التركية والغزوات الاستعمارية بدءاً بالغزوات البرتغالية وصولاً إلى الاستعمار البريطاني، وبعد الحرب العالمية الثانية كان الصراع على النفوذ يدور بين أميركا والاتحاد السوفيتي، وقد أنعكس على بلادنا منذ استقلال الشطر الجنوبي من الوطن عام 1967م، فبقاء التشطير في الوطن بعد جلاء الاستعمار عن جنوب الوطن كان في الأساس انعكاساً للصراع الثنائي العالمي على النفوذ في المنطقة.نصل إلى ما يحدث الآن في بحارنا والبحار المجاورة ولا سيما ظاهرة القرصنة في خليج عدن. والأوضاع في القرن الأفريقي. ربما يظهر المشهد فراغاً محلياً وإقليمياً، لكن الفراغ في الطبيعة والمجتمع وفي الإنسان أيضاً يبحث عن الامتلاء، وظاهرة القرصنة هي بتخطيط أو بدون تخطيط دعوة للحضور، هي استجلاب لقوى النفوذ وحافز لصراع المصالح بين القوى العالمية الكبيرة والمتوسطة وكذا القوى المحلية المتأثرة بعوامل الصراع وظروفه ووجوده.هناك إذاً خطورة في الوضع الراهن قد تمس أمن اليمن ومصالحه الاقتصادية وسلامته الإقليمية، وقد تؤثر على تطوره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فلليمن مصلحة قصوى في سلامة وأمن الممرات التجارية العالمية، لأن أي تهديد يمس هذه الممرات أو يضر بأمنها قد يكون جالباً للتدخلات الخارجية وقد يحول المنطقة إلى بؤرة لصراع المصالح الكبرى، كما قد تتأخر قدرات البلد في استثمارات ثرواته السمكية والنفطية ولا شك في أن هناك خطورة على خطوط النقل والمواصلات البحرية بين الموانئ وبين الجزر اليمنية ولا سيما جزيرة سقطرى الهامة جداً والتي تشكل أحد أبعاد ومميزات الموقع الاستراتيجي لليمن.البحر هذا الامتداد الأزرق العظيم ليس نهاية أرضنا وطموحاتنا ومصالحنا، إنه امتداد لنا، إنه امتداد لليمن: وجوداً ورؤية ومستقبلاً، ومن هنا فعلينا نحن اليمنيين أن نلتفت بجدية إلى أهمية بحارنا في تشكيل واقعنا ومستقبلنا ولدينا من الإمكانات البشرية والمادية ما يمكننا من صنع ظروف أفضل لحماية واستثمار وتطوير مصالحنا البحرية وحماية مياهنا وشواطئنا وجزرنا.. على اليمن أن يمتلك قوة بحرية دفاعية وامتدادها في البحر الأحمر ومداخل خليج عدن، كما أن علينا تطوير استثماراتنا السمكية والنفطية في مياهنا الإقليمية في سواحل البر الكبير وسواحل الجزر، على اليمن أن يعمل على بناء أسطول تجاري يليق بمكانته وأهميته كدولة بحرية، وكذا تعزيز الجهود في البحوث العلمية المتعلقة بالبحار، وابتكار السبل والوسائل للحفاظ على سلامة البيئة البحرية، إذاً علينا العمل بجدية فائقة وبرؤية منفتحة على خلق ظروف جديدة من العمل والحركة والتخطيط والتطوير في بحارنا ومياهنا وجزرنا ومضايقنا البحرية الهامة، الجهد اليمني الوطني مطلوب لتوفير أبعاد أعمق لنهوض الوطن وتطوير إمكاناته والاستفادة من مقدراته في البر والبحر وفي نفس الوقت يكون الوطن مستعداً لمواجهة كل المتغيرات التي قد تحملها إلى المنطقة أطماع الآخرين وصراعاتهم.