مع تزايد النقاش والجدل حول ضوابط خطبة الجمعة في الاسلام، هذا الجدل الذي على مداره تسبب بعض خطباء الجمعة بتجييش السخط وتوظيف بعض هؤلاء الخطباء لخطبة الجمعة لصالح الاغراض السياسية لهذا الخطيب او ذاك، خصوصا ان بعض هؤلاء الخطباء ينتمي لجماعة معينة لها اهداف محددة، فيستغل منبر الجمعة لأهدافه.نقول هنا إن خطبة الجمعة وصلاتها من الشعائر العظيمة في الاسلام، وقد جاء في شريعتنا المطهرة لها نصوص وأحكام تبين آدابها وضوابطها، وذلك لعظم شأنها، وهنا نتحدث عن "ثلاثة ضوابط" تتعلق بخطبة الجمعة: أولها: ما جاء في السنة المشرفة عند مسلم في صحيحه والامام احمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ـ أي علامة على أنه ذو علم ومعرفة بالسنة ـ فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة".وهذا التوجيه الكريم من النبي العظيم عليه السلام يرشدنا الى ما هو الاصلح للعباد في أداء عبادتهم على الوجه الذي يرضى عنه ربنا عز وجل، وهو ان تكون خطبة الجمعة موجزة قصيرة يتحدث فيها الخطيب الى الناس بما يفقهون وبما يستطيعون استيعابه من الكلمات الجامعة والعبارات الواضحة التي تجعلهم يستفيدون من توجيهات الخطيب ليقوموا بالعمل بها بعد صلاتهم حيث ان المصلين الحاضرين لخطبة الجمعة في الغالب من طبقات متعددة تختلف افهامهم ومداركهم ومستوى استيعابهم وتختلف ايضا ثقافاتهم واهتماماتهم، ففرق واضح بين ان تخاطب فئة السياسيين او الاقتصاديين او الفقهاء العلماء.. وهكذا، يجب على الخطيب ان يراعي ذلك وان يخاطب كل فئة بما تدركه عقولهم ويحسنون فهمه، وهذا يوجب على الخطيب ان يختار الكلام المناسب لهذه الفئات المتخصصة، اما اذا كان في محفل عام مختلط، كخطبة الجمعة العامة، التي تضم الجاهل والعالم والصغير والكبير والعامل والعاطل والمتعلم والأمي والسياسي والاقتصادي.. فهنا يجب على الخطيب ان يراعي ذلك وان يعرف الفرق في الخطاب بين من يقدر على الاستيعاب الكامل وبين صغير غض حديث السن لا يفقه المعاني والمصطلحات والعبارات على وجهها الصحيح.اذن لا بد لمن يصعد على منبر الجمعة ان يراعي هذه الفروق واختلاف الطبقات في الاستيعاب، حتى لا يفقه عنه غير ما أراد، وحتى لا يثمر قوله عملا من السامع لا يقصده الخطيب ولا يريده ولا يرضاه ربما، وهذا من الاسباب التي دعت بعض ضعاف العقول وحدثاء الاسنان الى الخروج عن المنهج القويم والجنوح عن الجادة المستقيمة، بسبب ما فهموه من عبارات تدعو الى التشنج والعنف، فالخطيب مثل الطبيب لا بد ان يراعي حالة المريض ليصف له العلاج المناسب لحالته.ثانيا: قد يلجأ الخطيب الى التعرض للاحداث السياسية فيبدأ باستعراض تلك الاحداث وكأن الخطبة نشرة اخبار سياسية! ولكن بأسلوب يثير العواطف ويحرك مكامن النفوس، فيجيش بهذا الاسلوب انفسا قليلة الادراك كثيرة العاطفة، فتتحول الى قنابل موقوتة، ربما تنفجر في مكان لا يراد ان تنفجر فيه، وعلى من لا يراد ان تنفجر فيهم، كما هي حالة من ينتمون للفئة الضالة المنحرفة، ومنهم انصار جماعة "القاعدة" على سبيل المثال.ثالثا: ما يفعله بعض الخطباء من الخروج عن المنهج النبوي في خطبة الجمعة، وهو القائم على قصر الخطبة ونفعها للعموم، فينتج عن هذا الخروج عدم استيعاب من قبل كثير من السامعين كما جاء عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه حذر من كثرة الكلام وقال: إن كثرة الكلام ينسي آخره أوله. وينتج ايضا عن هذا التطويل إيجاد السآمة والملل من العبادة لدى الحضور، فلا يحصل بذلك ثمرة الخطبة، ويتضرر كثير من المبكرين في الحضور الى الجمعة خصوصا من كبار السن والمريض، كما أن ذلك يؤدي الى مخالفة منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي امر بالتبشير والتيسير وقال كما ثبت عنه في الصحيحين عن انس بن مالك رضي الله عنه: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".فبدل أن ينتهج الخطيب منهج التبشير بالعاقبة الحسنة والتوجيه بالصبر الذي في الغالب يعقبه الفرج، نجده يلجأ الى أسلوب ينشأ عنه التشاؤم لدى السامعين والقنوط والسخط فيخرجون بلا فائدة، بل وربما يلجأون للتفريج عن سخطهم بأي عمل يرضي تهيج عواطفهم التي اشعلها الخطيب المنفر، والذي لم يلتزم منهج التبشير والتيسير.في الختام فإني انصح اخواني خطباء الجمعة بان يراعوا ذلك، ويكونوا عونا على الخير والتبشير، وان يلتزموا منهج النبي الكريم الذي لم يكن يذكر احدا بعينه بسوء على المنبر او يشق على الناس بالإطالة والتنفير.. والله الموفق.[c1]* فقيه سعودي ومستشار قضائي في وزارة العدل السعودية[/c]
يا خطباء الجمعة: بشروا ولا تنفروا
أخبار متعلقة