غضون
الشائع في مجتمعنا أن حالات الانتحار يقوم بها أصحابها تحت ضغط المعاناة من العوز والفقر والبطالة، والصحافة تعمل على ترويج وتقوية هذه الشائعة، وهي شائعة تلقى قبولاً بحكم أننا مجتمع أكثريته العظمى فقراء وعاطلون عن العمل.. مع ذلك لا يتساءل أحدنا عن سبب بقاء الفقراء والعاطلين على قيد الحياة، إذ يفترض أن يكونوا قد انتحروا بالمفرد والجملة، وأصبح المجتمع مكوناً من أغنياء.الانتحار مشكلة أزلية.. فقد انتحر أحد أصحاب الرسول وهو رجل وازعه الديني ليس ضعيفاً.. وانتحر هتلر وهو ليس فقيراً.. وانتحر رؤساء ووزراء .. وهذا مدير شركة إنتاج سيارات في كوريا يرمي بنفسه من الدور الثلاثين ليسقط ميتاً وهو ليس فقيراً..- الإرهابيون ينتحرون أو يفجرون أنفسهم في سيارات وأحزمة ناسفة في أسواق عامة، وهم يفعلون ذلك بتجهيزات تصل تكلفتها أحياناً إلى خمسين ألف دولار.. فهل هؤلاء فقراء.- “قبيلي” أخذ رشاشه وأطلق النار على زوجته وأولاده ثم انتحر، مخلفاً للورثة بنادق وذخائر ومزرعة قات.. فهل كان الدافع إلى الجريمة قلة الحاجة أو العوز؟- العلم حتى الآن بدد بعض جوانب الغموض في هذه المشكلة الأزلية.. فبعض الناس يميلون إلى الانتحار لأسباب تتعلق بالمورثات أو جينات تحفز على هذا السلوك.. وآخر ينتحر لأسباب سياسية أو هروب من فضيحة أو عار.. بل أن بعض حالات الانتحار تحدث تحت ضغط المناخ بدليل أن حالات الانتحار تكثر في فصل الصيف.- وعموماً .. يعتبر الانتحار مأساة إنسانية،حتى أن شريعة الإسلام قررت أن الذي يقتل نفسه عمداً يذهب إلى النار فوراً، ونزعم أن الثقافة الإسلامية بهذا الشأن هي التي تروج للتقليل من حالات الانتحار إن أمكن.. ولا تصح المتاجرة بهذه المأساة في ميدان السياسة. فالمتاجرة بها ضرب من الانتحار.