والواقع أن معظم هذه التناولات لم تكن بريئة، بل هدفت لتبرئة المقتولين من مسئولياتهم المشتركة مع جماعة متمردة هم جزء أساسي منها.
بعيدا عن الجدل في هوية الفاعل، وهو كيان إرهابي بامتياز، حيث لا أحد يدافع عن إسرائيل، مهما كان، حتى بدأنا نرى ترامب نفسه يتبرم من جنون نيتانياهو.
لكن على مستوى ما تم في صنعاء، يبقى أن المقتول قانونيا - على المستوى اليمني والدولي يعد متمردا إرهابيا. فالمسئول الذي اختار بوعي ومنهجية المشاركة في قمع الناس، وتدمير الدولة لا يتحول فجأة إلى ضحية بريئة، لمجرد أن خصما آخر وإن كان عدوا خارجيا هو من استهدفه.
الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل تبقى مدانة بلا نقاش، لكنها لا تمحو بأى حال سجل الجرائم التي ارتكبها الحوثى وشركاؤه، سواء في أجهزة القمع أو في قيادة الميليشيا. فالمعادلة لا تقبل تزييفا: لا يمكن أن يكون القاتل والجلاد بالأمس، شهيدا اليوم، لأنه سقط بضربة عدو آخر.
وللتقريب، لو قصفت إسرائيل قادة “داعش” مثلا، فهل سنصف قتلى التنظيم بأنهم “شهداء الوطن”! ونقيم سرادق العزاء.؟
أو نجرؤ على القول إن الذي انتمى للتنظيم الداعشي يبقى مدنيا مسالما.
(وبالمناسبة لبعض الذين لا يدركون عمق أيديولوجيا فكرة الحوثي الدينية المتطرفة فهي لا تفرق عن داعش وبلباس مذهبي، تجاه قضايا مثل الانتماء للوطن والموقف من الدولة المدنية أو حقوق الإنسان والمرأة، والديمقراطية، أو الانتماء القومي.).
العملية الإسرائيلية على صنعاء مدانة لأنها انتهكت سيادة اليمن ومجاله الجوي وأمنه الوطني. هذه قضية قائمة بذاتها، ولا يملك أحد أن يتجاوزها. لكن في الوقت نفسه، لا يملك أحد أن يفرض علينا الدفاع عن الحوثيين الذين جلبوا العدوان الإسرائيلي بأفعالهم، وقتلوا اليمنيين قبل أن تسقط قذائف إسرائيل على رؤوسهم.
أما ادعاء الحوثيين بأنهم “ينصرون غزة” فيما يواصلون قتل اليمنيين، فقد صار قولا غير مقبول، يشبه إلقاء نكتة سمجة في مجلس عزاء. فهم أبعد ما يكونون عن روح المقاومة، بل يستثمرون القضية الفلسطينية كشعار لتغطية جرائمهم في الداخل.
الموقف ضد الإرهاب واحد. سواء من جماعة داخلية او كيان خارجي. والتظاهر بالحياد في قضايا الحق والعدل جريمة لا تقل عن الفعل الصريح نفسه. فاليمنيون يدركون خطر العدو الإسرائيلي ويتوحدون ضده، كما يحملون فلسطين في أعماق وجدانهم. يمكن أن نذكر بعشرات المواقف الصلبة والثابتة، لكل اليمنيين ومنذ بدء النضال من أجل القضية الفلسطينية، وقبل مولد الحوثي وتنظيمه. وذاك مقدر لدى الشعب الفلسطيني ومازالت كلمات ياسر عرفات رحمه الله حية في ذاكرة الناس وهو يقول في احتفال توحيد شطري اليمن عام 1990: “فلسطين هي الشطر الثاني لليمن”، أما اليوم فيراها اليمنيون شطرهم الأول.
هذه الحقيقة لا تمنح الحوثيين حق اختطاف راية النضال الفلسطيني.
بل تظهر حقيقة تسلقهم سلم القضية عنوة دون اتجاه صادق.
فهم لا يمثلون اليمن ولا مشروعه القومي، بل يعيدون إنتاج صراعات مذهبية وطائفية تستدعى من كهوف التاريخ. وهنا، يخدمهم القصف الإسرائيلي من حيث يريد العدو أو لا يريد، لأنه يلمّعهم كخصم في مواجهة عدو خارجي، ويمنحهم موقعا لا يستحقونه على حساب تضحيات اليمنيين وحقوقهم.
اليمن بحاجة من نخبته إلى وضوح لا لبس فيه: إدانة إسرائيل ورفض انتهاك السيادة، وفى الوقت نفسه إدانة الحوثي وتجريمه على كل ما ارتكبه بحق هذا الشعب. فدماء اليمنيين ليست ورقة لتبادل التبرئة بين إرهابيين.