
في هذا السياق، جاء قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، بتعيين الأستاذ سالم بن بريك رئيسًا لمجلس الوزراء، مع التجديد المؤقت للتشكيلة الحكومية الحالية.. كخطوة نقلت المشهد السياسي في اليمن إلى بعد جديد تشغر فيه الكفاءة التكنوقراطية حيزاً متقدماً في إدارة الدولة على حساب الاستقطابات التقليدية، فالأستاذ سالم بن بريك يمثل نموذجًا إداريًا نادرًا في الحياة السياسية اليمنية، باعتباره أحد أعمدة الإدارة المالية الحديثة للدولة. فهو شخصية هادئة، دقيقة، تعمل بصمت، لكنها حاضرة بقوة في مفاصل العمل المالي والمؤسسي، ومؤثرة بفاعلية أينما وجدت.
أدار وزارة المالية خلال أصعب مراحل التأسيس والحرب بتوازن لافت، وكان من المؤسسين الأوائل لإعادة بناء قطاع الجمارك كأحد أهم أوعية الإيرادات العامة للدولة. ومن أرض الميدان، وفي كل موقع شغله ضمن تراتبية وزارة المالية استطاع أن يرسخ حضور الوزارة وعملها المؤسسي، معتمدًا على التدرج الهادئ والواقعية المؤسسية، وفقا للمتاح الممكن وبنهج يجمع بين الهدوء والحسم في آن واحد. إن تجربة الأستاذ سالم بن بريك وخبرته الشخصية، إلى جانب حضوره كأحد أعمدة العمل الحكومي ومع أكثر من رئيس حكومة، وقدرته على إدارة التفاصيل اليومية لمؤسسات الدولة، تمثل بالضبط ما تحتاجه الحكومة في هذه المرحلة الدقيقة التي تتقاطع فيها التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يعهده اليمن من قبل. كل هذا يجعل الأمل كبيراً في الدور الذي يمكن لرئيس الوزراء ممارسته، في حدود قدرته على إنتاج الفارق في واقع مأزوم إداريًا ومفتّت ماليًا.
كما لا يمكن فصل هذا القرار عن السياق الإقليمي والدولي المعقد الذي تتحرك فيه الدولة اليمنية اليوم. فهناك ضغوط متزايدة من المجتمع الدولي للمضي قدمًا في الإصلاح المالي والإداري، ضمن بيئة إقليمية تتسم بالتحولات السريعة والاصطفافات المتغيرة التي تفرض على صانع القرار مواكبتها. ومن هنا فاختيار فخامة الرئيس العليمي لشخصية تكنوقراطية كالأستاذ سالم بن بريك اختياراً يُواكب اللحظة ويدفع بالكفاءات إلى الصف الأول، نأمل أن يكون هذا الاختيار وبما يعكسه من تناغم مع رؤية القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي هو التدشين الفعلي لمرحلة جديدة في اليمن، مرحلة تتحرك فيها الحكومة ضمن معادلة متماسكة من الانسجام والواقعية والدعم السياسي الواضح. فما يُنتظر من الحكومة الجديدة، برئاسة سالم بن بريك، هو العمل على ترميم العلاقة بين المواطن والدولة، وإعادتها إلى مسارها الطبيعي، عبر ترتيب أولوياتها من الداخل لا من الخارج، مستفيدة من البيئة المواتية، ومن المياه التي لا تزال تتحرك. فالمواطن اليوم، وقد طال انتظاره، يريد أن يرى حكومته من موقع الخدمة لا من موقع السلطة؛ حكومة تضبط وتوحد أوعية الإيرادات والنفقات بصرامة، وتضع في صدارة أولوياتها الملفات الحيوية: توفير الكهرباء والمياه، دفع المرتبات، وتأهيل الخدمات الأساسية بما يمس حياة الناس اليومية، ويعيد تدريجيًا بناء جسور الثقة بالدولة.
رغم التحديات الكبيرة وصعوبات الطريق، فإن وضوح التحدي يمنحنا وضوح الفرصة. وإذا ما نجحت الحكومة ورئيسها في استثمار التوافق السياسي الراهن، وتحرك ضمن معادلة وطنية متماسكة تجمع الرئاسة ومجلس القيادة والمكونات السياسية والمجتمعية فهذا كفيل بأن تكون هذه هي البداية الحقيقية لإعادة تعريف دور السلطة التنفيذية في اليمن على أساس الفاعلية وليس التمثيل فقط، وعلى أساس الخدمة وليس السيطرة فقط. وهي مهمة عسيرة، لكنها ليست مستحيلة فالفرصة قائمة، لكنها لن تدوم طويلًا، والنجاح يتطلب نفسًا طويلًا، وإرادة صلبة تراعي الممكن ولا تفرط بالمأمول.. أمام مجلس القيادة ودولة رئيس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك مسؤولية كبيرة، إذ تتطلع جماهير الشعب لاستعادة حلم دولة المواطنة والخدمات. فإذا أُحسن استغلال هذه اللحظة، فستكون بداية للعبور نحو الاستقرار والازدهار.. واليمن اليوم بحاجة إلى رؤية واضحة لتحقيق الأمن والخدمات وضبط علاقة الدولة مع القطاع الخاص لتكون علاقة القطاع الخاص بالدولة علاقة تكامل وليس تعارض يحكمها مبدأ ما هو الأفضل للمواطن، فالمستقبل مرهون بما سيبذل الآن من جهود في هذه المرحلة المفصلية.. ختاما كانت هذه بعضا من الآمال تشاركتها معكم وأضعها على الطاولة ويداي متجهتان إلى السماوات، وليس ذلك على الله بعزيز.
ولنا لقاء..