
.jpg)


الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات:
دعا حاكم إقليم دارفور الموالي للجيش في السودان اليوم الإثنين إلى حماية المدنيين المحاصرين في مدينة الفاشر، غداة إعلان قوات "الدعم السريع" سيطرتها الكاملة على المدينة الاستراتيجية التي تعاني الجوع منذ أشهر، في وقت حذر فيه الأمين العام للأمم المتحدة من "تصعيد مروع للنزاع".
وكانت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، آخر مدينة كبيرة بين أيدي الجيش، وذلك بعد حصار استمر أكثر من عام.
وحذر محللون من أن هذا التطور قد يؤدي فعلياً إلى تقسيم السودان، بحيث يحتفظ الجيش بالسيطرة على الشمال والشرق والوسط، فيما تهيمن قوات "الدعم السريع" على دارفور وأجزاء من الجنوب.
ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني على إعلان قوات "الدعم السريع" سيطرتها على مقر القيادة العسكرية في المدينة.
وبحسب نقابة الصحافيين السودانيين، قطعت كل اتصالات "ستارلينك"، شبكة الإنترنت الوحيدة التي كانت تعمل في المدينة، مما أدخل الفاشر في "ظلام إعلامي تام".
وفي الساعات الماضية بثت قوات "الدعم السريع" مقاطع مصورة تظهر مئات الرجال بالزي المدني جالسين على الأرض ومحاطين بمقاتلين، وقدمتهم على أنهم أسرى من صفوف الجيش أو القوات المشتركة الحليفة له.
وقال حاكم دارفور مني أركو مناوي في منشور على منصة "إكس" إن "سقوط الفاشر لا يعني التفريط بمستقبل دارفور لمصلحة جماعات العنف أو مصالح الفساد والعمالة"، وأضاف "نطالب بحماية المدنيين، والإفصاح عن مصير النازحين، وتحقيق مستقل في الانتهاكات والمجازر التي تقوم بها ميليشيات (الدعم السريع) بعيداً من الأنظار".
من جانبه حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين من "تصعيد مروع للنزاع" في السودان، قائلاً إن "مستوى المعاناة التي نشهدها في السودان لا يمكن تحمله".
ولفت غوتيريش إلى أنه "من الواضح أن الأمر لم يعد مجرد صراع سوداني بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘، بل نشهد تدخلاً خارجياً متزايداً يقوض فرص التوصل إلى وقف لإطلاق النار وحل سياسي".
في المقابل، أوضحت تنسيقية "لجان مقاومة الفاشر" أن المعارك تواصلت اليوم في محيط مطار المدينة وفي مناطق عدة غربها، مشيرة إلى قصف مكثف من قبل قوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو.
من جهته، قال قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان أمس الأحد، إنه بحث "حصار ميليشيات ’الدعم السريع‘ مدينة الفاشر" خلال لقائه السفير التركي في بورتسودان، المدينة الساحلية الواقعة في شرق البلاد.
وطالب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر بتأمين ممرات آمنة للمدنيين، مؤكداً أن "مئات الآلاف من السكان محاصرون داخل المدينة في حال من الرعب، يتعرضون للقصف والجوع، ولا يستطيعون الوصول إلى الغذاء أو الرعاية الطبية أو الأمان".
كما دعا المبعوث الأميركي إلى أفريقيا مسعد بولس، قوات "الدعم السريع" إلى فتح "ممرات إنسانية" لإجلاء المدنيين.
وعلى رغم تصريحات قوات "الدعم السريع" المتكررة في شأن "حماية المدنيين"، اتهمتها تنسيقية "لجان مقاومة الفاشر" بارتكاب فظائع، قائلة إن "الأبرياء يتعرضون لأبشع أنواع العنف والتطهير العرقي".
وأعربت نقابة الصحافيين عن "قلق بالغ على سلامة الصحافيين الموجودين في الفاشر في ظل هذه الظروف الاستثنائية والصعبة"، وقالت إن الصحافي المستقل معمر إبراهيم محتجز لدى قوات "الدعم السريع" منذ أمس الأحد، مؤكدة صحة صور متداولة على مواقع التواصل تظهره محاطاً بمقاتلين من تلك القوات.
دعا حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي إلى "حماية المدنيين" في مدينة الفاشر حيث تتفشى المجاعة، وقال "نطالب بحماية المدنيين، والإفصاح عن مصير النازحين، وبتحقيق مستقل في الانتهاكات والمجازر التي تقوم بها ميلشيا (قوات الدعم السريع) بعيداً من الأنظار".
على رغم سيطرة قوات "الدعم السريع" أمس الأحد على مقر قيادة الجيش السوداني في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، فإن المعركة النهائية لم تحسم بعد، إذ تواصلت المواجهات العنيفة بين القوتين حول محيط المطار وحي الدرجة الأولى ومناطق مختلفة في الجزء الغربي من المدينة، وسط قصف مدفعي كثيف من "الدعم السريع"، مما أحدث انفجارات قوية في مواقع عدة.
.jpg)
وبحسب مصادر عسكرية، فإن قوات الجيش تتمركز حالياً في نواحي المطار واللواء 154 ووحدات المدفعية غرب المدينة، في حين توجد القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة المساندة للجيش في حي الدرجة الأولى والمقر السابق لقوات حفظ السلام الدولية والإقليمية "يوناميد" الواقع شمال غربي المدينة، وذلك بعد انسحابها من دفاعاتها المتقدمة في ظل الهجوم الواسع الذي شنته "الدعم السريع" في الصباح الباكر، مما مهد الطريق لهذه القوات للسيطرة على مقر الفرقة السادسة مشاة، التي تعد آخر الحاميات العسكرية التابعة للجيش في دارفور.
وبينت المصادر نفسها أن "الدعم السريع" استخدمت في هجومها المباغت أسلحة ثقيلة تشمل الدبابات والمركبات المدرعة والمدفعية، إضافة إلى الطيران المسير، وهو ما اضطر الجيش إلى الانسحاب بهدف إعادة التموضع وترتيب الصفوف، أكثر من كونه انسحاباً من كامل الفاشر.
وأحرزت قوات "الدعم السريع" خلال الأيام الثلاثة الماضية تقدماً متسارعاً نحو مقر الجيش بسيطرتها على أمانة حكومة شمال دارفور ومجمع الوزارات وقصر الضيافة وعدد من المؤسسات الحكومية القريبة من القاعدة العسكرية، مما ضيق الخناق على قوات الفرقة السادسة مشاة.
أشارت تنسيقية لجان "مقاومة الفاشر" إلى أن المعارك العنيفة ما زالت مستمرة في المدينة، وأن المقاتلين ما زالوا صامدين، لافتة إلى أن قوات الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة و"المقاومة الشعبية" يدافعون حالياً عن الفاشر.
وأوضحت التنسيقية في بيان أن قائد الفرقة السادسة مشاة في الفاشر "يقود المعركة الحالية مع قواته الصامدة في المدينة"، فيما استبعد المتحدث باسم "المقاومة الشعبية" بمدينة الفاشر أبوبكر الإمام سقوط المدينة بسهولة.
وأفاد الإمام في منشور على صفحته في "فيسبوك" بأن "كل حجر في الفاشر يحمل ذاكرة مقاومة، وكل شارع يعرف طريق الصمود"، مؤكداً أن "أبناء الفاشر ما زالوا صامدين ويدافعون عن أرضهم وكرامتهم بكل بسالة".
وأضاف "تتعرض الفاشر في الوقت الراهن لحملة إعلامية مضللة ومفضوحة، الهدف منها إثارة الهلع والرعب، والنيل من الروح المعنوية العالية للقوات المسلحة السودانية داخل ميدان المعركة، عبر الإيحاء بأن دخول مقر الفرقة السادسة مشاة يعني سقوط الفاشر".

وفي ظل هذه المتغيرات العسكرية، يسود تخوف واسع في شأن مصير آلاف المدنيين العالقين في الفاشر، خصوصاً أن المدينة محاصرة بقوات "الدعم السريع" من جميع الاتجاهات، في حين يعتمد المدنيون في حركة نزوحهم على السير على الأقدام بسبب انعدام الشاحنات والوقود.
وأشار شهود إلى أن الوضع في الفاشر خطر للغاية بالنسبة إلى المدنيين الذين يقعون تحت مسؤولية القوة العسكرية المسيطرة على الأرض، إذ لا توجد أية ضمانات لحصولهم على الحماية.
وبيّن هؤلاء الشهود أن قوات "الدعم السريع" لا تستطيع السيطرة على عناصرها، الذين لا يخوضون أية معركة "من دون ارتكاب انتهاكات وجرائم في حق المدنيين"، داعين الحكومة السودانية إلى مخاطبة المجتمع الدولي لضمان حماية المواطنين في الفاشر إلى حين تنفيذ عملية الإجلاء.
في الأثناء، أشارت منظمة الهجرة الدولية إلى نزوح ما بين 2500 و3 آلاف شخص من مدينة الفاشر، جراء الاشتباكات الدائرة بين طرفي القتال.
ونوهت المنظمة في بيانها إلى أن النازحين توجهوا إلى مواقع داخل الفاشر، وربما يتحركون لاحقاً نحو محليتي طويلة ومليط الواقعتين في ولاية شمال دارفور، وذلك بحسب تطورات الأوضاع الأمنية والقيود المفروضة على الحركة.
ولفتت المنظمة إلى نزوح نحو ألفي شخص من الفاشر خلال الفترة بين الـ23 والـ25 من أكتوبر الجاري، إلى مواقع أخرى في محليتي الفاشر وطويلة بشمال دارفور.
وفي محور كردفان، صد الجيش أمس الأحد هجوماً شنته قوات "الدعم السريع" على مواقعه المتقدمة في بلدة أم بشار، الواقعة على بعد 12 كيلومتراً غرب مدينة الرهد بولاية شمال كردفان.
ووفقاً لمصادر ميدانية، دارت اشتباكات عنيفة بين الجانبين، تمكن خلالها الجيش من صد الهجوم وإجبار المهاجمين على التراجع نحو منطقة علوبة، التي تتمركز فيها قوات "الدعم السريع".
وتسعى "الدعم السريع" إلى السيطرة على محلية الرهد بهدف قطع الطريق البري بين مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، وولاية النيل الأبيض، بينما أعلن الجيش رفع درجات التحوط عبر نشر قطع حربية وقوات على طول المناطق المتاخمة للمواقع التي تسيطر عليها "الدعم السريع".
ويأتي هذا الهجوم في ظل تصاعد العمليات العسكرية بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في عدد من ولايات البلاد، إذ تشهد مناطق في ولاية شمال كردفان منذ أسابيع توتراً متزايداً ومحاولات من الطرفين لتعزيز مواقعهما الميدانية في الولاية.
في المحور نفسه، شن طيران الجيش سلسلة غارات جوية استهدفت تجمعات ومواقع استراتيجية تابعة لقوات "الدعم السريع" في محيط مدينة بارا ومناطق
أخرى بولاية شمال كردفان، وذلك في إطار تصعيد عسكري جديد بعد خسارة الجيش للمدينة أخيراً.

وبحسب مصادر عسكرية، فإن الضربات الجوية جاءت ضمن خطة ميدانية حاسمة تهدف إلى إضعاف قدرات "الدعم السريع" على شن هجمات مضادة، وتعزيز تمركز الجيش في المناطق الساخنة.
وسيطرت قوات "الدعم السريع" على مدينة بارا السبت، بعد انسحاب الجيش منها إثر معارك عنيفة، لتصبح المدينة نقطة ارتكاز جديدة لـ"الدعم السريع" في إقليم كردفان.
