في الرابع عشر من أكتوبر، لا تشرق الشمس كما في سائر الأيام، بل تتهادى على جبين الجبال اليمنية وهي تتوشّح بعباءة المجد. في هذا اليوم تهبّ على الجنوب نسائم الحرية، ويستيقظ التاريخ على وقع رصاصٍ أيقظ أمةً من سباتها الطويل.
لم يكن فجر الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 فجرًا عاديًّا، بل كان صرخةً في وجه الظلم، ووهجًا انبعث من صدور رجالٍ آمنوا أن للكرامة ثمنًا، وأن الحرية لا تُمنَح بل تُنتَزع انتزاعًا. من جبال ردفان الشمّاء انطلقت الشرارة الأولى، حين قرر الأحرار أنه آن أوان الخلاص من المستعمر الذي جثم على صدور الناس قرنًا ونيّفًا، فكانت رصاصة واحدة كافية لتوقظ أجيالًا من الغفلة، وتعيد للوطن صوته المسروق.
يوم الرابع عشر من أكتوبر ليس مجرد تاريخٍ في الروزنامة، بل هو عنوانٌ للبطولة، ونشيدٌ يُتلى كلما أراد الوطن أن يتذكر معنى العزيمة والإصرار. هو اليوم الذي تحوّلت فيه الأرض إلى قصيدة، كتبها الشهداء بدمائهم، وسطرها الشعب بعزيمته وتضحياته، حتى بزغ فجر الحرية والاستقلال في الثلاثين من نوفمبر المجيد.
وفي هذا اليوم نتذكر راجح لبوزة ورفاقه، ونتذكر ردفان والرصاصة الأولى لتضيء الطريق للأجيال. نتذكر وجوهًا نحيلةً لكنها مشتعلة بالعزم، وأياديَ حملت البندقية لا لتقتل، بل لتزرع الحياة في أرضٍ عطشى للحرية.
أكتوبر ليس ماضيًا نرويه، بل شعلةً علينا أن نحملها في حاضرٍ يحتاج إلى ذات الروح، إلى ذات الإيمان بأن الأوطان لا تُبنى إلا بالوعي والتعاضد والعطاء. فكل 14 أكتوبرٍ يمرّ إنما يذكّرنا بأن الحرية مسؤولية، وأن من على الأرض من أبطالها عليه أن يحافظ على وهجها حيًّا في قلبه وعمله.
سلامٌ عليك أيها الرابع عشر من أكتوبر، يومٍ غيّر مجرى التاريخ. وسلامٌ على كل يدٍ رفعت علم الحرية عاليًا فوق قمم ردفان، لتقول للعالم: هنا وطنٌ حر، لا يعرف الركوع لغير الله سبحانه وتعالى.