ما ان ارتفعت قيمة الريال اليمني بنحو 44 %، و بلغ سعر صرف الدولار نحو 1600 ريال، تحسنت ولو بشكل طفيف احوال الناس المعيشية، لان لقمة عيشهم مرتبطة بقيمة عملتهم المحلية، التي يتقاضون بها رواتبهم، وبالتالي ما زال المجتمع يخوض معركته في تخفيض قيمة السلع الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية ، حتى يتمكن الراتب من الايفاء بمستلزمات الحياة، الراتب الذي ما زال مفقودا حيث لم يصرف لليوم راتب شهر يوليو، وتم صرف راتب شهر يونيو الذي ذهب في كمية الديون المتراكمة بسبب تأخير الراتب.
نحمد الله على هذا الانفراج الذي بث فينا شيئا من التفاؤل، بعد ان كان الاحباط مسيطرا على الناس، والتشاؤم اخذ يتسلل بين اوساط المجتمع ان لا امل في تحسين، وارجو من الله ان لا نُخذل، وتستمر الحكومة ومؤسساتها وسلطات الدولة القائمة، بتلقي الدعم الكامل لاستمرار اصلاح ما يمكن اصلاحه، لمزيد من استعادة الدولة ومؤسساتها المعنية بحقوق الناس، وتفكيك ادوات العبث التي تشكلت بفعل الحرب، وصارت تعبث بإيرادات الدولة وحقوق الناس الخاصة والعامة، ويمكن القول ان امام الحكومة مهام جساماً، تتطلب اصرارا في الاستمرار بتفكيك كل ما يعيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، لتحقيق استقرار سياسي يعيد ترتيب اوراق العمل والمشاريع السياسية، لنستعيد الدولة اولا واخيرا، ولن يكون ذلك دون التوافق على خطوط عمل تنهي الصراعات البينية، والتناقضات القاتلة التي تعزز العنف والاقتتال، لتبقي على حالة الفوضى للإبقاء على ادوات العبث لمزيد من العبث بحقوق الناس وحياتهم ومصيرهم .
ما نحتاجه اليوم هو انهاء حالة النفوذ أكان عسكريا او قبليا او مناطقيا، المسيطر على الواقع ويفرض ادواته علينا، نفوذ يستمر في ابتزاز البلد من خلال الجبايات والاتاوات والسيطرة على منافذ الايراد والاسواق ، وهو ما يعيق رفد خزينة الدولة بالعملة لتعزيزها على الواقع، وينظم شريان تغذية الخزينة العامة، لتتمكن الدولة من اعداد موازنة تنظم ايرادات الدخل والصرف، لضمان رواتب شهرية منتظمة، وترشيد الانفاق، وعدالة توزيع الثروة، دون ذلك سيبقى العبث يعيق استراتيجية الاصلاح الاقتصادي والسياسي.
عشر سنوات كانت كافية لنعرف ان العنف والصراعات البينية لا تخدم الناس واحلامهم وتطلعاتهم، بل هي حالة من الفوضى تسمح بتسلق المتطفلين والنفعيين والمزايدين والمتسلقين، والنتيجة ان هؤلاء المتطفلين يعيشون على حياة الناس رغدا وثراء وفسادا ، والناس تعاني وتموت جوعا ومرضا، ويتعرض الوطن للأوبئة والتجهيل والعبث بالحياة العامة، والتعليم والصحة والخدمات.
الاستقرار الاقتصادي يتواكب مع استقرار سياسي، وتوافق على اوليات وطن المواطنة والعدالة والحريات ليستوعب كل ابنائه، حينها سيتمكن المواطن من ان يكون شريكا فاعلا في تحديد مصير الوطن والامة، حيث لا فرض امر واقع بقوة السلاح وعسكرة الحياة العامة والقبيلة والمذهب، واستغلال حياة الناس ودينهم ودنياهم من اجل ان تسيد طبقة تجعل من الوطن مزرعة هم فيها رعاة والبقية قطيع، للإثراء والناس تجوع وتعاني الامرين.
نعرف ان امام الحكومة ودعاة الاصلاح تحديات كبرى، وتركة ثقيلة من الصراعات والخلافات، البعض قد يرى في هذه الاصلاحات تهديدا لمشروعه، وكثرت المشاريع وتعددت، وصرنا نتنازع في ابسط الامور، على نقطة امنية وتسيد قبلي وتقاسم مناطقي وزعامة وقوات هنا وهناك، والوطن ضاع من ايدينا وضعنا، ولكن اليوم نستعيد الوطن ونستعيد انفسنا وحياتنا وحقوقنا المكفولة دستورا، اذا ما استوعبنا ان الاصلاحات تخدم الجميع دون استثناء، النظام والقانون هو الذي سيحقق العدل والمساوة ويعطي لكل منا حقه، مواطنا ورجل اعمال وسلطة، لا احد فوق القانون.