بلدنا أمانة في أيدينا ، نبنيها ونحميها مادمنا نعيش في رحابها ، ونحن مطمئنون ألم نشرب من مائها ؟ ألم نجرب الغناء لها ؟. ما أكثر وأعذب الأغاني التي سمعناها ورددناها تعبيرا عن عشقنا للوطن ووفائنا للثورة واهدافها ومبادئها .. وأشواقنا لأن نحيا في ظل الوطن والثورة حياة حرة وكريمة . كثيرة هي الأغاني التي شدتني ومازالت تشدني الى التوحد الوجداني بالوطن والثورة ، لكن الأغاني تفقد وهجها عندما أرى الكثير من مظاهر الفقر وأعيش الكثير من آلام وآهات الفقراء والبائسين والمظلومين والغاضبين .نقرأ ونسمع ونشاهد على ارض الواقع ما يحدث من اعتصامات واحتجاجات هنا وهناك بسبب الفقر والظلم .نسمع أنين ذلك الاب الذي لم يستطع توفير مستلزمات أطفاله من المأكل والملبس.نسمع تلك الحوارات الساخرة التي يطلقها الشباب والمسنون فوق الباصات والتاكسيات ترويحا عن مكنون أنفسهم من الغضب تارة ومن اليأس تارة أخرى تجاه أوضاعهم الصعبة ، فمن البطالة الى التقاعد الى الغلاء الى فقدان الشعور بالأمان الى الخوف من المستقبل الى الموت البطيء .وفي ذات الوقت نعرف ان هناك من يخرج وهو يمتطي سيارة فارهة ترافقه سيارات أخرى ويحصل شهريا على رواتب متعددة ، وليس راتبا واحدا فقط .. وفوق ذلك نراه غارقا بالامتيازات اللازمة لتمويل تمايزه عن الآخرين من الطبقات الشعبية والفقيرة التي قامت الثورة من أجلها ودافعت عنها وعمدتها بالدماء والشهداء والتضحيات الجسيمة .أعرف ابناء بعض الذين يحصلون على امتيازات غير مشروعة وهم يتنقلون بين قصور عالية ،و يقودون سيارات فارهة ويعاكسون ويبتزون بنات الأسر الفقيرة ، ويصرفون في اليوم الواحد ما تصرفه ثلاث أو أربع عائلات فقيرة ومطحونة في شهر كامل من أجل أن تعيش حياة بسيطة للغاية بدون سمك أو لحم .تذكرت الاهداف الستة التي أعلنت في اليوم الاول من قيام ثورة 26 سبتمبر الخالدة ، والتي نجدها مكتوبة في الصفحات الاولى من الصحف اليومية .. تلك الاهداف التي بإمكان من يقرأها جيدا اكتشاف حقيقة مريرة وهي أن كل الاهداف قد تحققت باستثناء هدف واحد لا يزال غائبا ً ولم يتحقق حتى الآن وهو إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات .من يتأمل مشاهد الحياة في بلادنا سيلاحظ ان الهوة تزداد بين الطبقات ، بل إن الطبقات الوسطى اختفت ولم يعد هناك سوى طبقة الفقراء الذين يزدادون فقرا وطبقة الاغنياء الذين يزدادون ثراء .وبما أن الدولة هي اداة الثورة من أجل التغيير والرقي والتقدم ، والوسيلة الحاسمة لتحقيق أهدافها ، فمن الملاحظ أنها أصبحت هي التي تعمل على عدم تحقيق هذا الهدف بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، وذلك من خلال تلك الامتيازات والرواتب والسيارات ومظاهر المرافقين يلتفون بحركات استعراضية حول ذلك الشيخ أوذلك المتنفذ بتمويل من خزانة الدولة . بل ان بعض المشائخ والمتنفذين أصبحوا بديلا عن الدولة بسجونهم الخاصة ومجاميعهم المسلحة وسطوتهم السياسية والاجتماعية .. واصبحوا ايضا عائقا امام مواصلة بناء الدولة الحديثة وتثبيت سلطة الدستور والقانون وحماية وترسيخ الوحدة الوطنية .. والغريب ان كل ذلك يتم بفلوس الدولة وموارد الخزانة العامة التي تأتي من عائدات الثروة الوطنية وضرائب المواطنين !! .في جانب من الصورة يزداد أبناء وبنات الطبقات الفقيرة فقرا ويزدادون مع فقرهم غضبا على الدولة التي يحملونها السبب الرئيسي في فقرهم المستمر وشقائهم المتواصل، مثلما يحملون الدولة مسؤولية تمويل ثراء الطبقات العليا التي تمتص مواردهم وموارد الدولة وحقوقهم .نسمع مرارا وتكرارا من يقولون أن مهمتهم هي مواصلة بناء الدولة الحديثة ومكافحة الظواهر السلبية التي تؤثرعلى السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، مع الاعتذار والاحترام لبعض الذين قد يفهمون خطأ أنني اقصدهم . لكن ذلك لا يمنعني من أن أناشدهم تقديم النصيحة لإعادة الاعتبار الى الهدف الأول من أهداف الثورة اليمنية والذي ينص على ازالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات .منذ أن ولدت في الشهر الأخير من عام 1978 من القرن الماضي ، ومنذ أن وعيت الحياة من حولي ، عرفت بعض الحقائق من بينها حقيقة الثورة اليمينة وأهدافها الستة التي كنا نرددها في مدارسنا ونسطرها على ورق امتحاناتنا لمادة التربية الوطنية . وعرفت أيضا ضمن حقائق هذه الحياة أن الرئيس علي عبد الله صالح الذي استلم دفة الحكم في العام الذي ولدت فيه هو الذي أعاد الاعتبار للثورة اليمينة وأهدافها.. وهو الذي استطاع التغلب على الكثير من المصاعب التي واجهت وطننا الحبيب ، وهو الذي استطاع حماية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية .. لكنني أتساءل: لماذا تأخر الرئيس عن اعادة الاعتبار لهذا الهدف الغائب ، و لماذا تتسع الهوة بين الطبقة العليا والطبقات الفقيرة ، ولماذا تزداد الفوارق بين الطبقات اتساعا !!أتذكر جيدا ذلك المقال الذي كتبته الزميلة رحمة حجيرة والمعنون تحت اسم (الرئيس الانسان) ، أستغاثت فيه بانسانية الرئيس علي عبد الله صالح وناشدته أن يوقف حرب صعدة ، وهنا أكرر مناشدتي للسيد الرئيس بأن يعيد الاعتبار لهذا الهدف الغائب من أهداف الثورة اليمينة وأناشد فيه الانسان والضمير الوطني الحي ، قبل أي شئ آخر، بأن لا يتأخر كثيرا عن الشروع في تحقيق هذا الهدف الغائب ..الذي أثق أنه اذا تحقق ستستقر الاوضاع وستحل الكثير من المشكلات التي تواجهها بلادنا وأبناء شعبنا ،وستنفتح امام الوطن والثورة مرحلة جديدة وحاسمة على طريق الرقي والتقدم والحياة الكريمة والآمنة . سيدي الرئيس .. لقد ولدتُ ــ أنا الفقيرة الى الله كاتبة هذه السطور ــ في العام الذي تسلمت فيه دفة قيادة مسيرة الثورة والوطن .. ووعيتٌ بعد 28 عاما من العمر انك القائد الذي أعاد الاعتبار للثورة اليمنية وأهدافها .. لكنني وعيتٌ أيضا أنك تأخرت كثيرا عن إعادة الاعتبار لأحد أبرز أهدافها الذي لا يزال غائبا حتى الآن . . فلا تغضب مني سيدي.
الثورة والهدف الغائب
أخبار متعلقة