لا يزال النقاش في الولايات المتحدة مستمرا حول مسودة قانون تمويل القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. ولا تروق للرئيس جورج بوش الصيغة التي وافق عليها مجلس النواب الأمريكي. وقد أصبحت قضية العراق منذ فترة طويلة أحد عناصر السياسية الداخلية للولايات المتحدة وبريطانيا اللتين ترأستا قبل أربع سنوات العملية العسكرية للإطاحة بنظام صدام حسين. ولكن لا بد من القول إن القرارات السياسية التي تتخذ من أجل أصوات الناخبين الأمريكان أو البريطانيين تتعارض في الغالب مع مصالح العراقيين. وتميزت بهذا الصدد مقالة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري التي نشرتها "واشنطن بوست" في عددها في 4 مايو من هذه السنة. ويدل عنوان المقالة الموجهة إلى المجتمع الدولي وبالمرتبة الأولى إلى الأمريكان والبريطانيين "لا تتركونا" على مضمونها. ويتلخص جوهر المقالة في أنه تجري في العراق رغم الوضع المعقد تغيرات نحو الأحسن في كافة الميادين من الأمن وحتى الاقتصاد. ويشير الوزير إلى أن هذا التحسن قد يكون غير ملموس لدى من لا يعيش في العراق وخاصة على خلفية عناوين الأخبار الرنانة حول الأعمال الإرهابية. بيد أن الوضع أخذ يتغير وإن كان ببطء. ولا يحق للمجتمع الدولي في هذا الوقت ترك العراق ولا يحق له إفراغ كافة الانجازات من مضمونها. ويقصد الوزير بـ "الترك" بالمرتبة الأولى سحب القوات المتعددة الجنسيات مع أن الحديث يدور أيضا حول عدم حرمان العراق من دعم الغرب وبلدان الجوار سياسيا واقتصاديا. من الصعب الحكم على مدى كون زيباري محقا لدى التحدث عن انجازات العراق. على أي حال لا يستطيع تقييم التقدم الحاصل إلا العراقيون أنفسهم. لكن الوزير على حق في نفس الوقت في أن العراق يحتاج إلى دعم دولي. ويجب أن ينسق سحب القوات الأجنبية من هذا البلد مع مصالح العراقيين ومصالح الأمن الدولي بشكل عام وليس مع رأي الناخبين الأمريكان أو البريطانيين وتلبية لطموحات هؤلاء الساسة أو أولئك. وبلا ريب توجد لدى العراقيين مختلف وجهات النظر من وجود القوات الأجنبية في بلدهم. ومما لا شك فيه أن المجتمع الدولي يفهم أن تفويض القوات المتعددة الجنسيات في العراق لا يمكن أن يمتد إلى الأبد. ومع ذلك ما العمل بغية ألا يبدو سحب هذه القوات بمثابة فرار وألا يؤدى إلى انتصار الإرهاب في العراق؟ يجرى حول هذا الموضوع جدل حام للغاية. فقد نوقش في المؤتمر الدولي الذي تم عقده في شرم الشيخ على مستوى وزراء خارجية دول الجوار وبمشاركة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي و"الثمانية الكبار" وكذلك عدد من المنظمات الإقليمية. وبالمناسبة أن المؤتمر توافق زمنيا مع نشر مقالة زيبارى في"واشنطن بوست". وجاء في وثيقة المؤتمر الختامية أن قرار سحب القوات الأجنبية من العراق يجب أن يبقى من اختصاص حكومة البلد. ولا تحدد أي مواعيد لسحب القوات. ومجرد يشار إلى أنه يجب أن يتحمل مسؤولية الأمن في العراق الجيش العراقي. وهذا بالذات كما تشير الوثيقة يفتح الطريق لإنهاء تفويض القوات المتعددة الجنسيات التي لا يمكن أن يستمر تواجدها في هذا البلد إلى ما لا نهاية له. وهذه الصيغة تعتبر أقصى حل وسط ممكن. وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في خطابه في شرم الشيخ بصورة دقيقة جدا ما الذي يدور الحديث عنه. ونشير إلى أن موسكو كانت على الدوام تصر على ضرورة تقليص فترة تواجد القوات الأجنبية في العراق ولكنها كانت تعارض في نفس الوقت سحبها المتسرع وخاصة تمشيا مع التقلبات السياسية في هذا البلد أو ذاك الذي يشارك بوحداته في القوات المتعددة الجنسيات. وأكد لافروف أن "تواجد قوات التحالف في العراق في الظروف الحالية يشكل أحد عوامل الاستقرار التي تمنع انزلاق البلد إلى فوضى حرب الاقتتال الطائفي على نطاق واسع. وأن سحبها المتسرع وغير المدروس يندر بعواقب وخيمة سلبية"، وأضاف في نفس الوقت أن "التواجد العسكري الأجنبي في العراق لا يجوز أن يبقى إلى ما لا نهاية له. وأن روسيا كما العديد من البلدان الأخرى تدعو إلى وضع جدول مدروس لسحب القوات المتعددة الجنسيات من العراق. ويجب أن يكون استعداد مؤسسات القوة العراقية مكتملا لأخذ مهمة صيانة الأمن والنظام في البلد على عاتقها المعيار الرئيسي لإعداد الجدول". وبعبارة أخرى إن الحديث يدور لا عن وضع مواعيد محددة كما يطالب بعض السياسيين الأمريكان وإنما حول ربط سحب القوات مع الواقع العراقي. ونذكر بان السنوات الأربع الأخيرة في العراق أثبتت أن محاولة حصر العملية السياسية بأطر زمنية معينة تؤدي إلى أخطاء يتعين فيما بعد إصلاحها. وغالبا ما يكون الثمن حياة المواطنين. وعلى ما يبدو فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش راعى بدرجة معينة تجربة السنوات الماضية ويأخذ العبر من أخطائه. ويستحق الثناء على أنه رغم خطر حجب الثقة عن حزبه لا يزال مستعدا لتحمل مسؤولية ما يجري في العراق حتى النهاية. والقضية تنحصر في الأتي: هل سترجح كفة الجدل السياسي في واشنطن أو كفة الوضع الفعلي في العراق؟ وهل ستسمع المعارضة الأمريكية نداء زيباري بعدم ترك العراق؟ [c1]معلقة "وكالة نوفوستي" السياسية[/c]
الصراعات السياسية في الولايات المتحدة ومصالح العراق
أخبار متعلقة