كتبت/ سلوى الصنعانيولد الفنان محمد سعد محمد رزق “ الحارثي” الملقب بالصنعاني في حوطة لحج المحروسة العام 1920م لأب لا ينتمي إلى الطرب والثالث في إخوته الأربعة وتعود أصوله إلى “ مأرب” شمال الوطن كان والده يعمل في خدمة السلطان عبدالكريم فضل بن علي محسن العبدلي ويقوم على شؤونه الخاصة في القصر لثقة السلطان به. والدته الشاعرة الشعبية سلمة بنت درينة ورد ذكرها في الأبيات المقدمة إلى المؤتمر الأول لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع م/ لحج مطلع السبعينات وملحنة وعازفة على العود وقد شكل لحنها لاغنية “ أمان يا سيدي “ إضافة إلى الألحان السائدة آنذاك مثل “ ياطير كف النياح” و” يامرحبا بالهاشمي “ للفنان فضل ماطر وقد سجل هذا اللحن الفنان صالح عبدالله على اسطوانات “ جعفر فون” عام 1901م وقد عاشت هذه الشعرة في عهد السلطان احمد فضل محسن وتوفيت في عهد السلطان عبدالكريم فضل وهي ربيبة الاميرة مريم بنت احمد والدة السلطان عبدالكريم فضل ومن أشعارها:- [c1]حل ما سمعت الصوت ما هنيت المنام ياسعد من له قسم في دار السلامحيث تغريد القماري والحمام با تنشدك عالواصل قل لي يا غلام قل لي أنا ذي ينتسب لا قصر سام من حيث ماهم يحكموا شرقاً وشام [/c]خاله الفنان سعيد بن درينة وهو بالإضافة إلى صوته الرخيم وعزفه على آلة العود يعتبر أول عازف على آلة السمسمية المجلوبة من منطقة الحجاز وكان يلازم السلطان علي بن احمد والد آخر سلاطين لحج فضل بن علي وهو من جيل الفنان هادي سبيت النوبي وصالح الطميري. تلقى الفنان محمد سعد الصنعاني تعليمه الابتدائي - الثانوي في المدرسة المحسنية .. ثم اثر تخرجه عين مدرساً فيها للغة العربية ولكنه سرعان ما ترك سلك التدريس على اثر حادثة “ تهذيبه”من قبل السلطان الذي أمر بسجنه وأهانته وعقبها اعتكف في منزله.منذ صغره كان يحمل الفن بداخله فطفل الثامنة من العمر لا يستهويه اللعب مع أقرانه من الصغار بل يجذبه صوت “ الجرامفونات” الصادحة من مجالس القات التي كان يجلس على عتباتها مثل “ مبرز عوزر” ومبرز “ عبدالله داعر” حيث كان يستمع إلى أغاني منيرة المهدية وزكريا احمد والفنان محمد عبدالمطلب والفنان حسن العبد.. من تلك المنابر حفظ الأغاني وظل يرددها دون أن يعي معناها. وكان الصغير محمد يقتفي اثر الفنان سعد عبدالله اللحجي والد الفنان محمد سعد عبدالله اينما توجه في الشوارع والحارات والمقاهي ويحضر الكثير من الحفلات التي يغني فيها هذا الفنان وخصوصاً تلك التي كانت تقام في حارة “آل دبا “ وحفظ منه الكثير من الأغاني من اللون الصنعاني واليافعي المنتشرة آنذاك في حوطة لحج. وعودة إلى تركه لسلك التدريس واعتصامه في منزله شاءت الصدف في حفلة زواج ابن عمه محمود الصنعاني التي يحييها الفنان صالح الطميري وتغيب “ ناقر الدف” فقام محمد سعد الصنعاني مقامه ما جعل الطميري يتمسك به وقام بإقناع والده بإلحاقه بفرقته وتعلم خلال مرافقته للطميري العزف على العود والغناء حيث أتاح له فرصة الغناء معه. ثم تعلم العزف على الكمنجة وإذا كان الفضل في اكتشافه كفنان لصالح الطميري .. فالفضل الأكبر يعود للفنان صالح عيسى والد الشاعر احمد صالح عيسى في صقل موهبته الفنية وإبرازه كفنان يشار إليه البنان حتى شب عن الطوق بعد مرافقته له أربع سنوات. وانفرد بأول مخدرة في الوهط عام 1939م عزفاً وغناء في منطقة الوهط قابله فيها الفنان صالح العنتري الذي أطرى على صوته وعزفه ثم انطلق يغرد في مخادر لحج وعدن وأبين. خلال مشواره الفني عاصر كبار الفنانين اليمنيين ومنهم العنتري واحمد عوض الجراش وعوض عبدالله المسلمي واحمد عبيد القعطبي وعمرغابة وكبيرهم الفنان علي أبو بكر باشراحيل الذي أثنى عليه عندما سمعه وقابله في مخدرة بالشيخ عثمان وكان قد غنى “ ياربة الصوت الرخيم” التي لا يجيدها احد سوى باشراحيل الذي أعجب بادائه أثناء لقائه به عقب السهرة في مقهى “ مدير” ووعده بأنه سيكون فناناً كبيراً وأعطاه العديد من القصائد. غنى الصنعاني كافة الألوان اليمنية والعربية وكان فحلاً في العزف والغناء ومن ابرز الأغاني التي كانت تعجبه “ طرب سجوعه وكرر” و” من حل لك يارشا قتلي” و “ غصن من عقبان” و “ لله ما يحويه هذا المقام “ وكثيرة هي الأغاني التي غناها والتي لا يتسع المجال هنا لحصرها. ولأن طموح الفن داخله يكبر معه حيث سكنه منذ صغره، فقد طور مهاراته الفنية ليتميز عن أقرانه من فناني عصره بادائه لكافة ألوان الغناء اليمني وخصوصاً الصنعاني واللحجي واليافعي ليمضي في تلبية طلب محبيه بأداء الغناء العربي كالمصري والكويتي والعراقي وهي ميزة لم تتوافر في أقرانه.عشقه للموسيقى والفن لم يكن له حدود، فقد قاده طموحه إلى دراسة الموسيقى دراسة علمية، فكان شديد التردد والالتصاق بالموسيقيين الأتراك الذين يشرفون على الفرقة الخاصة بالجيش ومنهم مدرسون يعلمون أبناء السلاطين العزف.ولم يكتف بذلك بل عكف على دراستها على يد أحد الموسيقيين السوريين المعلمين للموسيقى في لحج آنذاك واسمه السيد محمد يعقوب ومن خلاله تعرف على الفنان إبراهيم الماس ثم لجأ إلى الأستاذ “عبدالجواد البنداري” مصري الجنسية وكان يشغل منصب مدير “المعارف” بسلطنة لحج ونسقا معاً عبر المراسلة والاتصالات بمعهد اعرابي بمصر لفترة ليست بالقصيرة لدراسة المناهج الموسيقية عبر المراسلة وبعث إليه بالمناهج حتى قدم إليهم قطعة معزوفة بالنوتة فأتى الجواب منهم بأنها صحيحة ونالت رضاهم، وملأ الاستمارات الخاصة بالمعهد وفجأة انقطعت المراسلات بحكم انتشار الكوليرا في مصر ثم بعدها استأنف المراسلة مع المعهد بعد التحاقه بوظيفة مساعد مدير مالية في محافظة أبين وجاء الامتحان وكان في مقام “الرصد” وتحصل على الشهادة ثم أعطوه مؤلفات إبراهيم عرفه يردد ما فيها من نوته وهكذا تعلم وتحصل على الشهادة.[c1]مميزاته وتطويره الموسيقي:[/c]أولاً من طباعه الشخصية أنه لا يعطي ألحانه لأي شاعر إلا بعد تذوقه لمفردات القصيدة ثم اختيار الفنان الذي يعرف قدراته وطبقاته الصوتية وهذه من الصعوبات التي واجهته وهي البحث عن الصوت المناسب لهذا السبب حظي الفنان عبدالكريم توفيق بأجمل وأعقد ألحانه ومنها “ لوعتي” و “بالعيون السود” “بكشفه للثام” “يا شاكي غرامك” “الحلم أصبح حقيقة” وهي قمم ألحانه أنذالك.كان الفنان محمد سعد الصنعاني يتمتع بصوت يتفرد به عن أصوات أنداده من الفنانين، قبل أن تتجلى قدراته الفنية الموسيقية فقد كان بارعاً وفحلاً في العزف على العود والكمنجة سواها من الآلات الموسيقية فضلاً عن إجادته لكافة ألوان الغناء اليمني التي كانت تسحر السامعين وتفرده عن أقرانه بإجادة الأغنية الكويتية، والمصرية، والعراقية وهذه لم تتأت لسواه من فناني الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.انه لم يكن مطرباً مؤدياً بل كان ملحناً وشاعراً له العديد من القصائد رائعة الصياغة ولكنه ضحى بالشاعر لشغفه وعشقه للموسيقى فصب اهتمامه على دراستها ومتابعة آخر الانتاجات الفنية العربية والعالمية.مثلما تميز بأنه لم ينحصر لشاعر محدد. فتعددت قائمة الشعراء الذين تعاطى معهم وأبرزهم الشاعر علي محمد لقمان د. محمد عبده غانم وصالح سعيد نصيب، وصالح فقيه، وعبدالله هادي سبيت، وصالح مهدي العولقي من محافظة أبين، وعلي عوض مغلس وعبدالخالق مفتاح وعبدالله سالم باجهل وأحمد عباد الحسيني.كان موسيقياً مكنته دراسته للموسيقى ومتابعته المستمرة من إحداث انقلاب موسيقي في مجال الأغنية اللحجية بوضع المقدمات الموسيقية للأغنية والتي تختلف عن لحن الأغنية ولكن تأتي منسجمة مع اللحن. حيث كانت الأغنية اللحجية تفتقر لمثل هذه المنهاجية.ولم يحتكرها لأغانيه وألحانه بل وضع المقدمات الموسيقية لأخيه وزميله الفنان الكبير فضل محمد اللحجي مثل وضع المقدمات الموسيقية لأغاني القمندان المقدمة لمهرجانه الأول في العام 88م وأشرف بنفسه على إعادة صياغتها بالصورة السليمة بعد التشويه الذي الحق بها... وبعث بعض أغاني والحان القمندان المتدثرة ومنها “ يا ريح ريماني” وسواها مثلما وضع المقدمات الموسيقية لزميله وأخيه الأمير عبده عبدالكريم.يعتبر محمد سعد الصنعاني ثالث موسيقار عربي بعد الفنان محمد عبدالوهاب والفنان الرحباني في استخدام السلم الموسيقي الغربي بحذفه “ربع التون” عن الأغنية اللحجية في ألحانه كي تحلق في الآفاق العالمية مع حرصه على الاحتفاظ بطابعها الخاص ومن تلك الألحان “لوعتي” “بالعيون السود” و“ابني أساسك” واوبريت “الشموع العشر”.كان رائداً تنويرياً.. إذا لم يحتكر المعرفة الموسيقية لنفسه بل انشأ مدارس موسيقية في لحج وأبين وفي عدن بمعية زميله الفنان الكبير يحيى مكي في مدرسة بازرعة مدينة كريتر. ومن أبرز تلاميذه صلاح ناصر كرد ومحمد صالح همشري والفنان عبدالله حنش.كان رساماً يرسم على الزجاج صور الفنانين المعجب بهم ومنهم أسمهان التي كان يراسلها وكان شغوفاً بها حتى أنه أطلق اسمها على ابنته البكر “أسمهان”. وكان خطاطاً يتميز بخط جميل يخط اللوحات التجارية ولوحات السيارات. ومهندساً للراديوهات وأول هواية امتهنها هي التصوير الفوتوغرافي.- لم يحظ الرجل بأي اهتمام ولم يمنح أي وسام أو تكريم من قبل الدولة على اختلاف وتعدد أنظمتها ولكن محبيه وشعبه قد شغف به من خلال إحياء ذكراه السنوية على مدى السنوات الماضية.أسس برفقة زميله/ الأمير عبده عبدالكريم وتلميذه صلاح ناصر كرد الندوة اللحجية الموسيقية عام 1945م قبل أن تؤسس ندوة أبناء الجنوب .. ووجدت صعوبات جمة وتنقلت من سكن لآخر حتى أنها اتخذت من (المعزوب) عشة من القش وسط البساتين مكانا لها .. الا أنها تعرضت لمضايقات كثيرة من قبل السلطة فانتهت .ثم تأسست من جديد في العام 1956م بنفس المؤسسين ونجحت واستمرت إلى العام 1959م.الفنان محمد سعد الصنعاني يعتبر من الرعيل الذي شكل أمتداداً للفنان أحمد فضل القمندان، الا أنه لم يخرج كسواه من الفنانين الذين عاصرهم من تحت عباءة الأمير القمندان بل شق لنفسه طريقاً آخر تفرد به.كان مشواره الفني امتداداً وتلاحماً بين لحج وعدن وابين والذي التحم من خلاله مع زملائه من الفنانين وجاب مخادرها واقام فيها صفوفاً لتعليم الموسيقى. وأكد ذلك الأستاذ والأديب الكبير عبدالله فاضل أثناء كلمة ألقاها في ذكرى الفنان الصنعاني الرابعة عشرة قائلاً: (إن الفنان محمد سعد الصنعاني قد مثل مدرسة فنية شامخة وجسراً من التلاحم الفني والإنساني بين عدن ولحج.الفنان محمد سعد الصنعاني لم يهتم بالفن الموسيقي والطرب فقط بل كان التمثيل من ابرز مناقبه .. وكان أحد مؤسسي مسرح العروبة بلحج .. وكان يقوم بدور المرأة رغم المجتمع المحافظ وانتقاده للرجل الذي يلعب هذه الأدوار ومن ابرز المسرحيات التي مثل فيها (نجلاء بنت الاخشيد) و(عبدالرحمن الداخل) .توفي الفنان محمد سعد الصنعاني تاركاً إرثاً كبيراً من الألحان والأغاني تجاوزت الـ 120 لحناً بعضها من كلماته وغيرها من كلمات شعراء عاصروه وكانت وفاته يوم 22 يونيو الذي صادف يوم عيد الأضحى الثانية عشرة ظهراً بحوطة لحج عام 1991م ودفن فيها.ومثلما سجل على اسطوانات برلا فون وطه فون احبابنا ياعيني ماهم معانا فريد الأطرشيانايم الليل وانا صالح للفنان محمد عبد المطلبوذلك نزولاً عند رغبة المستمعين..سجل بصوته لإذاعة عدن عام 1958مبالعيون السود من كلمات عبدالخالق مفتاحعيونك تسحر العشاق كلماته ولحنهضناك ياقلبي الأنين كلماته ولحنهياحالي البدير كلماته ولحنهردد التغريد كلماته ولحنههاتها بالله هات كلماته ولحنهجاهل مهلا زين كلماته ولحنهعلي صدره وكفه انتقش كلماته ولحنهياجارة الوادي بالله نجده كلماته ولحنهاحبك .. احبك .. ولا بي سواك كلماته ولحنهياصباح الخير غنى الطير دلابه كلماته ولحنهمسكنك قلبي دلا به كلماته ولحنهياصباح الرضا ياحبيبي كلماته ولحنهقل للذي امسى بلحظة آمري كلماته ولحنهطلع الفجر الجديد
|
ثقافة
الموسيقار محمد سعد الصنعاني في ذكرى رحيله التاسعة عشرة (22 يونيو -1991 22يونيو 2010م)
أخبار متعلقة