حامد غفوريكان عام 2005م وما مضى من عام 2006م من أسوأ فترات حرية الصحافة في اليمن، إذ تحوّلت صحف بعض أحزاب المعارضة ووصيفاتها من الصحف الصفراء إلى منابر للشتم والقذف والسب والكذب باسم الدفاع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.بعض المساطيل والمتسوّلين حولوا بعض الصحف إلى دكاكين فارغة من كل شيء مفيد، إلا من جرعات الابتزاز ضد الخصوم السياسيين وقيادات أجهزة الدولة ومؤسساتها التي ترفض دفع أتاوات واستحقاقات ثابتة لهؤلاء الذين يعيشون في غيبوبة ليس فقط عن الواقع بل وعن ساعات اليقظة.حتى الشركات الخاصة لم تسلم من أذى هؤلاء الذين يطرقون الأبواب الخلفية للدولة والقطاعين العام والخاص، فإذا لم يجدوا ضالتهم فتحوا ألسنتهم السوداء وأطلقوا على الآخرين وابلاً من الشتائم والأكاذيب والافتراءات اعتقاداً منهم بأنّ هكذا هجوم من شأنه إجبار خصومهم على اللجوء إلى السكينة ودفع "المعلوم" شهرياً أو فصلياً لهؤلاء الشتامين والكذابين والمساطيل . عندما شعر المجتمع بحاجته الماسة إلى حماية الديمقراطية من هؤلاء الذين يتاجرون بها ويعتدون عليها لم يجد افضل من القانون لردع هؤلاء المعتدين والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم المعتدى عليها. وعندما شعر الصحفيون ـ ايضا ً ـ بحاجتهم إلى حماية حرية الصحافة من المساطيل والدخلاء الذين يسيئون إليها بممارساتهم المنكرة، لجأ الشتامون والمساطيل مرةً أخرى إلى الكذب، ولا بأس هذه المرة من استخدام الفاكسات والرسائل الأليكترونية في ارسال تقارير ومعلومات كاذبة ومضللة إلى بعض المنظمات الخارجية المشبوهة، حيث تتحول أحكام القضاء العادلة ضد جرائم القذف والشتم والكذب والافتراء والابتزاز إلى قمع لحرية الصحافة ومصادرة لحقوق الصحفيين في التعبير بحسب مزاعم اولئك المساطيل والدخلاء !!. لقد بان واضحا ً ان مفهوم (( حرية التعبير )) عند هؤلاء يتخذ وجهين لا ثالث لها : الأول أن تشتم وتكذب وتفتري..، والثاني أن تستخدم الحذاء في وجه من يختلف معك في الرأي حتى ولو كان من زملاء المهنة.خلاصة القول إنّ الفترة الماضية كانت سيئة فعلاً ليس في مجال حرية الصحافة ، بل في مجال سوء استخدام حرية الصحافة، بدليل حجم القضايا التي نُظرت فيها المحاكم من متضررين طالتهم إساءات بعض المساطيل والدخلاء.وإذا استبعدنا جانباً من تلك المحاكمات التي نظمها الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس مجلس شورى حزب "الإصلاح" الذي يهيمن على نقابة الصحفيين ويقود في الوقت نفسه حملة داخلية وخارجية دفاعاً عن حرية الصحافة ، ينبري رئيس مجلس شورى هذا الحزب لجمع تبرعات وتوكيل محامين لرفع قضايا ضد الصحافيين مع أنّ المحاماة يجب أن تكون في موقع الدفاع عن المتهمين وليس في موقف الإدعاء، إذا استبعدنا هذه المحاكمات المحسوبة على اكبر احزاب المعارضة والقائد اليومي لأحزاب(( اللقاء المشترك )) التي تتظاهر بالدفاع عن الديمقراطية وحرية الصحافة ، فإنّ كل القضايا المنظورة حاليا اوالتي تم النظر فيها أمام القضاء هي لمواطنين متضررين من العدوان على كرامتهم الشخصية ، اومؤسسات عامة وخاصة تضررت من الابتزاز باسم حرية الصحافة.المشكلة لا تكمن في كثرة القضايا المنظورة أمام القضاء والتي تشير بالضرورة إلى كثرة الممارسات غير القانونية والمنافية للقيم المهنية من قبل بعض المساطيل والدخلاء في بعض صحف أحزاب المعارضة والصحف الصفراء ، لكنها تكمن في أنّ هؤلاء - وهم في المعارضة - يعتبرون اللجوء إلى القانون قمعاً للحرية ، ولذلك نجدهم يقفون دائماً ضد القانون ويعارضون أي قانون من شأنه حماية حرية الصحافة وحماية حرية المجتمع والأفراد والجماعات على حدٍ سواء.ولأنّهم في حالة عداءٍ مع القانون الذي لا توجد ديمقراطية بدون انت تحميها سلطة القانون ، فإنّ مشروعهم الحقيقي هو استخدام الحذاء بدلاً من القانون لقمع المخالفين ومعاقبتهم على آرائهم ، وهو ما يرفضه الديمقراطيون الحقيقيون ويقبل به صحافيو أحزاب "اللقاء المشترك" الذين سعدوا كثيراً في مجالسهم بواقعة الاعتداء الأرعن الذي تعرض له الزميل عبد الملك القيشاني رئيس تحرير صحيفة "البلاد" على يد صحافية معارضة تستعد لترشيح نفسها لرئاسة الجمهورية !!هكذا تتعرض صورة حرية الصحافة هذه الأيام للتشويش والتدليس بين مشروعين .. أحدهما تتبناه بعض الصحف الحزبية المعارضة والصفراء التي تتخذ من نقابة الصحفيين متراساً للعدوان على حرية الصحافة وتستخدم مقراتها كحائط مبكى عند إعلاء سلطة القانون على الذين يسيئون إليها ، ويعتدون على حرية وكرامة الآخرين بكتاباتهم وأكاذيبهم وأباطيلهم السوداء.. وعندما يجد أصحاب هذا المشروع ما يخالفهم في توجهاتهم وخطابهم السياسي والاعلامي المعارض فإنّ (( الحذاء )) هو الفيصل في حل خلافتهم مع خصوم مشروعهم ، على نحو ما حدث في مقر نقابة الصحفيين بصنعاء للزميل عبد الملك الفيشاني.أما المشروع الثاني.. فهو تعميق الديمقراطية وحمايتها من خلال مواصلة بناء وتطوير دولة النظام والقانون ، واعلاء سلطة القانون في وجه المخالفين بدلاً من إعلاء (( الحذاء )) قبل الوصول الى سدة الحكم ، وهو مؤشر على المصير المرعب الذي سيصيب البلاد ونظامنا الديمقراطي التعددي في حال وصول اصحاب هذا المشروع الى الحكم ، الأمر الذي يثير تساؤلات مشروعة عما اذا كانوا سيكتفون برفع الحذاء في وجوه معارضيهم بعد وصولهم الى الحكم لا سمح الله على غرار ما فعلوه مع احد معارضيهم عندما كانوا في المعارضة ، ام ان وصولهم الى السلطة سيمكنهم من استخدام ادوات اكثر قمعا ً وشراسة ً من الحذاء الذي اشتهر بهم واشتهروا به !!!
حرية الصحافة بين قانون المهنة و"حذاء" المعارضة
أخبار متعلقة