[c1]يوسف إبراهيم[/c]الآن وقد توقفت الحرب على لبنان، لنُلقِ نظرة على الحرب الأكبر الدائرة رحاها في العراق والتي تسارعت وتيرتها في غفلة منا. فبكل المعايير، بتنا اليوم أمام حرب أهلية حقيقية في بلاد الرافدين. والواقع أن الأمر الوحيد الذي يقف حائلاً بين معدل قتل يبلغ 100 شخص يومياً ومعدل قتل يبلغ 1000 شخص يومياً، هو وجود نحو 135000 جندي أميركي باتوا اليوم عرضة لضغوط قوية من أجل ترك البلاد لحال سبيلها. صحيح أن وجود الأميركيين وشركائهم البريطانيين الأصغر عدداً لا يحول دون حدوث المجازر، غير أنهم يساهمون على الأقل في منع العراق من السقوط في هوة سحيقة من الاقتتال الشامل بين السُّنة والشيعة والأكراد بمشاركة فعلية من الجيران. وعما إذا كانت الحرب الأهلية العراقية هي نتيجة للغزو الأميركي أم لا، فذاك قول فيه أخذ ورد، على اعتبار أن الوجه الآخر للعملة هو أن يتساءل المرء ما كان لا ضير في أن يتعرض العراقيون للمجازر على يد نظام الرئيس المخلوع صدام حسين الذي انتخبه العراقيون كما انتخبوا ايضاً ممثليهم في مختلف هيئات نظام صدام حسين، أو أن يتعرضوا لمجازر مماثله على يد نظام اخر أنتخبه العراقيون كما انتخبوا ايضاً ممثليهم في مختلف هيئات ذلك النظام الخاضع لسلطة الاحتلال.!!مما لاشك فيه، وكما رأينا من خلال الانتخابات الحرة التي شهدها العراق، أن الأغلبية الساحقة كانت ستختار أن تكون حرة، وذلك بصرف النظر عن الحرب الأهلية. فاليوم مثلاً، لن يقبل الشيعة، الذين يشكلون 60 في المئة من سكان البلاد، أبداً أن يكونوا أقلية في الحكومة مرة أخرى. والأمر نفسه ينسحب على الأكراد الذين يمثلون أقلية، غير أنهم يتمتعون بتقرير المصير في منطقتهم الجبلية. وفي جميع الأحوال، فلا جدوى من هذا الجدل الآن لأن الناس يموتون بالعشرات يومياً. وإذا استمرت الأمور كما هي اليوم، فيمكننا أن نتوقع من دون مبالغة أو تهويل موت مئات الآلاف من العراقيين بنهاية العام المقبل. وبما أن هذا الاحتمال وارد جداً، فدعونا نلقي نظرة على تداعياته الإقليمية. أولاً: قد يصل عدد اللاجئين والنازحين إلى الملايين. ثانياً: سيشمل وقع الحرب وتأثيرها المنطقة برمتها، متسبباً في انعدام الاستقرار بها. ثالثاً: يمكن الجزم بارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وهي المرتفعة أصلاً اليوم، ما سيدفع إلى تكثيف الأبحاث الجارية عن بدائل للنفط كالإيثانول والطاقتين النووية والشمسية، التي يرتقب أن تُضعف كثيراً بنهاية هذا العقد النفط باعتباره المصدر الرئيسي للطاقة. والواقع أننا نشهد مؤشرات كل ذلك اليوم. فقد أدى الانهيار الجزئي للقطاع النفطي في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية إلى إضافة 10 إلى 15 دولاراً إلى سعر البرميل. أما الانهيار التام، فمن المتوقع أن يتسبب في إضافة 20 دولاراً إضافية بعدما يعمد المتمردون والمليشيات والعصابات المنظمة العراقية إلى تدمير القطاع. أما من الناحية السياسية، فإذا كانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بصدد البحث عن "شرق أوسط جديد"، فإنها ستحصل على شرق أوسط مختلف تماماً حيث ستكون مطالبة بأن تنتبه إلى التداعيات التي ستشمل المنطقة برمتها. فالأصدقاء القدامى سيصبحون خصوماً، والأصدقاء الجدد لم يعودوا يُجدون نفعاً بالنسبة لأهداف السياسة الخارجية الأميركية. وعبر كامل المنطقة يُنتظر أن يشهد عدد اللاجئين والنازحين ارتفاعاً كبيراً ليصل إلى مئات الآلاف، كما سيزداد عدد المليشيات أيضاً في فلسطين والعراق ولبنان. الواقع أن الحروب الأهلية تميل دائماً ـ سواء كانت في إفريقيا أو آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط ـ إلى الانتشار وتجاوز الحدود. وما علينا إلا النظر إلى النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي لنرى كيف أن أطرافاً عديدة أخرى جُرت إليه. ذلك أن ما بدأ كصراع يهودي-إسلامي في عشرينيات القرن الماضي، سرعان ما تحول إلى نزاع عربي- إسرائيلي حقيقي في عام 1948، وأدى في 1956 و1967 إلى مشاركة مصر وسوريا والأردن، قبل أن يمتد إلى الأردن نفسها في صراع 1970-1971، ثم إلى لبنان في الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990. وبدوره، ساهم النزاع اللبناني في اندلاع مواجهات عنيفة في سوريا خلال الفترة من 1976-1982 عندما ألحق نظام الرئيس السوري حافظ الاسد هزيمة قاسية تكبدها نحو 20000 من " الإخوان المسلمين" الذين تداعوا في مدينة حماه للجهاد المسلح ضد النظام ( البعثي العلماني ) بحسب الخطاب الاخواني الذي تولى مهمة تغطية تلك الصدامات ( الجهادية ) المسلحة !! إلى ذلك، تعج المنطقة اليوم باللاجئين الذين يوفرون البيئة المثلى لتفريخ المزيد من التشدد والتعصب والإرهاب ، ذلك أن مئات الآلاف من اللاجئين اللبنانيين يوجدون في سوريا اليوم ، والعراقيين يوجدون في كل من الأردن وسوريا، والفلسطينيين يوجدون في كل مكان. كما يعتقد أن نحو 100000 عربي فروا من شمال العراق بفعل ضغوط المليشيات الكردية، وما لا يقل عن 200000 سُني نزحوا بسبب الاقتتال بين المجموعات السُّنية والائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة غرب العراق. وإضافة إلى ذلك، فر خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، ما بين 50000 و100000 شيعي من المدن مختلطة السكان الواقعة وسط العراق إلى أماكن أكثر أمناً في الجنوب. أما في حال انضم الشيعة العراقيون إلى جيوش اللاجئين هذه، إضافة إلى الأعداد الكبيرة أصلاً من اللاجئين السُّنة والمسيحيين العراقيين، فمن المرتقب أن يساهم تدفق اللاجئين من العراق بشكل أكبر في تصدير عدم الاستقرار إلى كل البلدان المجاورة له. وبالتالي، فحري بالجامعة العربية، قبل أن تُستأنف الحرب اللبنانية مع إسرائيل أو بين اللبنانيين أنفسهم، أن تحجم عن عقد اجتماعات عقيمة وتبدأ التركيز على الاستعدادات للمرحلة المقبلة. ففي الشرق الأوسط للأسف، لا ينبغي أبداً أن يفترض المرء أن الوضع لا يمكنه أن يزيد سوءاً لأنه يزداد سوءاً دائماً.
حروب الشرق الأوسط
أخبار متعلقة