صباح الخير
لم اكن اتوقع رؤيتي لها وهي بهذا الوضع .. رايتها نازلة من سلالم الهيئة العامة للمعاشات بكريتر عدن !! .. كانت تتعثر بخطواتها وهي نازلة من الدور الثالث لمبنى الهيئة! .. استدار بي الزمن وعاد شريط الماضي سريعاً وانا انظر الى خطواتها المتعثرة.. تحاول الحفاظ على تماسكها .. يد تمسك بملفها الذي كادت أوراقه تتساقط مع سقوط صاحبتها .. واليد الاخرى كانت تمسك الحاجز الخشبي للسلم !.. راجعت صور هذه المرأة حين كانت سكرتيرة لمسؤول كبير في الدولة (زمان) .. كانت صورة نموذجية في عملها الكبير .. عندما يحضر لها زميل في مرفقها تستقبله بابتسامتها العذبة .. ترحب به .. تسأله عن حاله .. ثم يأتي السؤال التلقيدي شاي .. قهوة !؟؟ كنت أحب آخر كلمة في جمل حديثها .. لانها تكون مصاحبة لتلك الابتسامة التي لا تفارق محياها الجميل!.. ولا ينسيها الحضور المكثف للناس في المكتب ان تتنقل بين المطبعة التي تحن لملامسة أناملها الدقيقة والرقيقة حتى هذه الآلة لا تتعطل عن العمل خوفاً من الفراق والحرمان الذي قد يصيبها إذا غابت عن أنامل صاحبتها ! وبين الاجابات المتكررة عبر الهاتف .. بادرتني بهذه الجملة الصعبة على حالي .. "هذه نهاية الطريق!" .. قلت .. "تعيشي وتجددي منافذ وطرق الحياة" .. فردت بشيء من الاهمال وهي مستمرة في خطواتها المتعثرة.. "قائلة".. "خفف من تفاؤلك الزايد واجه الحياة بمرها فقط .. فحلاوة الحياة كانت في ذلك الماضي .. لم استطع سماع الكلمات التي تلت كلمة الماضي .. ولم أعد أرى ابتسامتها المعهودة بعد آخر كلماتها الهادئة !! .. فسلبني منها موقف آخر !.. لا ينقص شيئاً من تلك الصورة السابقة لتلك الانسانة التي كانت ذات يوم كتلة من الحيوية والنشاط .. والاقبال على الحياة .. ثم صارت مجرد كوم لحم يتحرك بصعوبة وتثاقل .. واهمال ؟!.. أما الصورة الاخرى التي رأيتها بعد اجتيازي ساحة مبنى الهيئة العامة للمعاشات .. فقد كانت صورة ذلك الاستاذ العالم .. الرجل الذي صال وجال في سلك التدريس الجامعي.. والذي كان يملأ الدنيا ضجيجاً في كل فكرة يطرحها ولم يتجرأ غيره في طرحها .. أو شد كل من يشاركه الحوار والجدل بقوة نحو ساحات أوسع وأشمل في النقاط الابعد التي لم يصل اليها احد من قبله !.. رأيته يسحب قدميه نحو المبنى الذي غادرته في ذهول من تأثير الصورة الأولى والصورة الثانية؟! .. لم أعد حبيساً لذلك الهم الجائر الذي عشته في متاهات المتابعات لنيل حقي في المعاش !.. وصدق من قال (من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته) !.. سؤال اطرحه على الجهات المسؤولة العليا .. ومثله يطرح على الجهات التنفيذية التي عاش الموظف أو الموظفة فيه سنين شبابه أو (كما يقال ) زهرة شبابه فيها .. هل يستحق هؤلاء هذا العناء بعد انتهاء خدماتهم وعطاءاتهم الطويلة ؟!.. ثم لماذا لا تقوم المرافق المعنية التي عمل فيها هؤلاء الرجال والنساء وخدموا وقدموا جهوداً لا تقدر بثمن بعمل يوفر على هؤلاء المعاناة وهذه المتاعب التي لا يعيشها إلا من احرقت الشمس اقدامهم ؟! .. اين رجال الشؤون الإدارية في المرافق ليقوموا بتذليل تلك الصعاب على كوادر مرافقهم؟ .. وبدلاً من (الشحططة) التي يعاني منها الموظف والموظفة فان المرافق والمؤسسات اقدر على تحمل كل ذلك التعب .. فهل من مستجيب ؟