
لكن فلنقل الحمد لله أن حضرت معالجة تحسن سعر الصرف، وبالتالي أعفت بن بريك من كل تلك التساؤلات، وليحمد الله معنا لذلك.
ولأن (الحلو ما يكملش)- كما يقول المثل، فقد جاءت الأمطار وكشفت خللا آخر، يجب أن يتم الوقوف عليه بجدية.
الأمر لا يدعونا إلى الركون إلى تحسن سعر الصرف فقط، فالبنك ليس بديلا لبقية المؤسسات، لأن مهمة البنك محصورة في إدارة المتاح من الموارد النقدية برشد وحساب اقتصادي.
بكل تأكيد كي يحدث استقرار حقيقي وديناميكي للعملة فلابد من معالجة ملفات أخرى لا تقل في أهميتها عن الإدارة العقلانية للنقود وتحسين دورتها في السوق. وتأتي تنمية الإيرادات في مقدمة تلك الملفات، على أننا لا نقصد بتنمية الإيرادات زيادة الجبايات الضريبية أو الجمركية أو غيرها من أنواع الجبايات القانونية وغير القانونية، بل نقصد تحسين آليات وأساليب التحصيل، وهذه لها وقفة أخرى.
لعل البنية التحتية هي الشريان المهم الذي يمد دواليب الاقتصاد بأسباب الحركة والدوران. نتكلم عن الطرق الطويلة أو الداخلية، التي يجب ان تتخلص من وضعها المزري. فحالها يزيد أعباء النقل والمواصلات على المصنع والتاجر والمواطن على السواء. وهنا لابد من التركيز على جودة خطوط النقل من خلال الرقابة الفعالة على جودة الأعمال في هذا الجانب، فليس من المنطقي أن تتم سفلتة أي شارع أو طريق ويتم تسلمه من المقاول المنفذ دون إجراء الاختبارات الضرورية له. بعد ذلك نكتشف أن الطريق أو الشارع تكتنفه العيوب الفنية الفظيعة، ثم يهطل القليل من المطر ونرى أن الأسفلت الذي نثره المقاول أو الجهة المنفذة أيا كانت ليس أكثر من قشرة خفيفة وظهرت تصدعات وأشراخ على امتداد الطريق لأن الرصف قبل السفلتة لم يكن وفقا للشروط المتعارف عليها.
ولا يمكن الحديث عن تحريك عجلة الاقتصاد بدون توفير الخدمات الضرورية الأساسية. لا نتصور أن تشتغل الآلات بدون توفر مصادر الطاقة اللازمة: مواد بترولية وغازية وكهرباء عامة تلبي مختلف الاحتياجات وفقا لحساب اقتصادي مربح وعادل ومُرضٍ لكافة الأطراف. إذن فأنت تحتاج إلى إصلاح شامل لمنظومة الخدمات (كهرباء، ماء، تخطيط مدني وعمراني، والخدمات البيروقراطية المختلفة المتعلقة بالتراخيص ودراسة الجدوى... وغيرها من المسائل) هذه كلها أمور أساسية وليست ثانوية لبدء عملية اقتصادية منتجة.
وهكذا، فإنه من الضروري تحويل حالة تحسن وضع العملة إلى فرصة حقيقية لتحفيز جميع المؤسسات وإصلاح حالها، البحث عن الأسباب الكامنة وراء اخفاق الكثير منها. فكل المجالات الاقتصادية مرتبطة عضويا ببعضها وينعكس نجاح إحداها أو فشلها على قطاعات مختلفة، والعكس صحيح. على أن هناك سؤالا ملحا: لماذا تخفق مؤسسات اقتصادية منتجة عندما تديرها الدولة، بينما تحقق وفرة في الأرباح والمنتج والجودة بمجرد تحولها إلى القطاع الخاص؟!!
هذا التساؤل يجيب عليه غياب آلية الرقابة والتحفيز وإدارة الموارد البشرية والإنتاجية في مؤسسات الدولة وحضورها في القطاع الخاص... لماذا؟؟؟ وأين يكمن الإشكال؟