
رحيل الشهيدة افتهان أحمد المشهري لم يكن مجرد حادثة اغتيال عابرة، بل صرخة مدوية في وجه الفوضى، وجرس إنذار لكل من أراد أن يتعامل مع تعز كغابة تسيطر عليها العصابات ومراكز النفوذ. دمها الطاهر تجاوز حدود الأسرة والمؤسسة، ليصبح قضية رأي عام، وعنوانًا لمعركة المدينة من أجل العدالة والكرامة.
قد يرى البعض أن مقتل القاتل في مواجهة أمنية كافٍ لإطفاء نار الغضب الشعبي، لكن الحقيقة المؤلمة أن سقوط الجاني لا يعني اكتمال العدالة، ولا اقتلاع جذور الجريمة. فالمشكلة الأعمق تكمن في البيئة الموبوءة التي ترعى هذه العصابات، وتوفر لها الغطاء والحماية، وتمنحها شعورًا بأنها فوق القانون.
الوضع في تعز اليوم يعكس هشاشة النظام الأمني والقضائي، فاستمرار الاعتصامات وغضب المواطنين في الشوارع يُظهر أن المجتمع لم يطمئن بعد. المدن التي تُترَك للفوضى تتشكل فيها شبكات موازية للسلطة، وتُستغل لتوسيع النفوذ والهيمنة، ما يجعل أي نجاح عابر في القضاء على عنصر إجرامي مجرد خطوة أولى، لا النهاية.
إن العدالة لا تختزل في رصاصة أنهت حياة قاتل، بل تُبنى بمنظومة أمنية وقضائية قوية، قادرة على منع تكرار الجرائم، وملاحقة كل من تستر أو تواطأ أو وفر الحماية للمجرمين، وصولًا إلى تفكيك الشبكات التي حولت تعز إلى مرتع للفوضى.
دم الشهيدة افتهان يضعنا أمام مسؤولية تاريخية واضحة:
- تحرير تعز من قبضة العصابات.
- انهاء حالة الإفلات من العقاب.
- رد الاعتبار لمدينة أرهقها التهميش والخذلان.
- بناء ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وقدرتها على حماية الحق والحياة.
اليوم يقف أبناء تعز أمام مفترق طرق: إما أن يتحول دم افتهان إلى مجرد خبر عابر يطويه النسيان، أو أن يكون الشرارة التي تُشعل معركة حقيقية لإنقاذ المدينة من براثن القتلة والفاسدين، وتعزيز العدالة الاجتماعية والسياسية.
فلتكن الرسالة جلية: دم افتهان لن يُمحى بطلقة أودت بحياة قاتلها، بل سيظل راية مرفوعة لمعركة طويلة من أجل عدالة لا تتجزأ، وأمن لا يُشترى، ومدينة لا يحكمها سوى القانون، ووعي شعبي قادر على تغيير الواقع وحماية المستقبل.