[c1]ميرا الكعبي[/c] الخطاب الديني بشتى أنواعه بات محاصراً اليوم من قبل قوة عظمى، كما بدأت تتعالى أصوات تنادي بتجديد الخطاب الديني الذي لفت الانتباه إليه خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر الدامية. ولأنني لن أخوض في أشكال هذا الخطاب الديني ومهامه، لكن تجدر الإشارة إلى أن الخطاب الديني هو كل بيان باسم الإسلام يوجه للناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وقد يأخذ هذا الخطاب شكل الخطبة والمحاضرة والرسالة والمقال والكتاب والمسرحية والأعمال الدرامية والإنشاد الديني، ولعل من أهم أشكال هذا الخطاب الديني خطبة الجمعة.لكن يستوقفني وبقوة نمط من أشكال هذا الخطاب الديني، الذي ينتهج أسلوب الترهيب والتخويف، وبعضها ينتهج أسلوب التكفير والرجم بالغيب، ومنهم من نصب نفسه حاكماً يحاكم الناس بمظاهرهم، وكأنه يعلم ما في قلوبهم وضمائرهم، كي يقيس على ضوء ذلك إيمانهم ويحاكمهم بما في صدورهم. ومنهم من اتخذ نفسه منبراً يصرح فيه بالفتاوى لسفك دم هذا وإهدار حياة هذا. وإن كنت لا أفهم ما الفائدة التي ينتهجها الداعية أو الخطيب نفسه من ممارسة هذا الشكل الوحشي في الخطاب الديني.هنالك نماذج من ممارسات مشابهة تساهم في نشرها مؤسسات نشر وإعلان، تحت مسميات خيرية ودعوية، لكنها في حقيقتها تمثل اغتيالاً للكثير من القيم. منها على سبيل المثال، ما ينشر عبر الوسائط السمعية التي فيها أصوات بكاء وصراخ في الخلفية، وصوت درامي يتحدث بنبرة مرعبة عن الموت وعذاب القبر! وقد لا أكون أبالغ لو قلت إن بعضها أشد رعباً من أفلام الرعب ذاتها، حتى إنها لا تجعلني أستطيع النوم ليلاً، ولا يمكنني أن أتجاهل يوم الجمعة الذي أشعر فيه بالاكتئاب بعد سماع خطبة من هذا النوع تسعى عبر ممارسة الإرهاب النفسي للسيطرة على العامة من الناس. ونبرة الصوت المرعبة، والحديث عن عذاب القبر وعذاب النار، واتهامهم لك بالخطيئة، وأن كل ما تقوم به ضرب من ضروب الكفر! حينها نتأمل ونتساءل كيف يجب أن يعيش الإنسان؟ ما هي حدود المباح واللامباح؟ مع أن القاعدة الفقهية تقول: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل أو نص شرعي من القرآن والسنة. حدى هذه الممارسات أيضاً تشويه القرآن الكريم عبر تلاوته بواسطة قراءة تفزيعية بصوت منفر! مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب سماع قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، لاشتهاره بتلاوته الجميلة، فأين هؤلاء من عبد الله بن مسعود؟!ومن الأشكال الشائعة في الخطاب الديني هذه الأيام، فتح منابر للتكفير ورجم الآخرين بالغيب، منهم من لا شغل له سوى ملاحقة الأدباء والكُتَّاب والنبش في دفاترهم عن أي كلمة تحتمل التأويل كي يقيم الحد على رقاب هؤلاء، ومنهم من وجه خطابه إلى الداخل، حيث يتسقط زلات العلماء والدعاة كي يقتص منهم ويرجمهم بالكفر! متناسين أن الفكر لا يرد عليه إلا بالفكر، والكلمة لا يرد عليها إلا بالكلمة، (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وليس جادلهم بالسيف أو المسدس. الثوب القصير واللحية الكثة والحجاب الأسود ليست بالضرورة شهادة أو تصريحاً لممارسة أنشطة كهذه. منهم من حكر الخطاب الديني على المظهر والملبس، وأعطى لنفسه سلطة ملاحقة الناس بسبب شكلهم الخارجي، وكأن الدين مجرد أشكال مظهرية وأفعال مادية لا غير. ونستطيع أن نلحظ انتشار مثل هذه الممارسات في بعض المدارس وبعض المساجد التي تعتبر أراضي خصبة لزرع ثمرات هذا الفكر المتطرف. معظم هذه الممارسات الخاطئة في الخطاب الديني، إما أن تكون عن جهل فاضح، أو تعمد لتشويه الصورة الحقيقية لجوهر الدين الذي يتميز بالوسطية والتسامح: (وجعلناكم أمة وسطا). وقال تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فيسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا).هذه مبادئ أساسية معلومة لجمهور المسلمين فأين منهم الدعاة والخطباء؟ فهل تفرض وزارة الثقافة والإعلام رقابة على مصنفات كهذه؟ وهل يوجد معيار يحتذى به؟ كيلا نترك الباب مفتوحاً للتجاوزات وللتأويل كيفما شاء وللاجتهادات الشخصية. نحتاج لتجديد أساليب هذا الخطاب الديني وفق معايير أكاديمية وعلمية، كما يفترض وضع رقابة على المصنفات الخارجة باسم الدين، وعلى الشخصيات التي تمارس الخطاب الديني بهذا الشكل. قبل أن تصبح الدعوة والخطابة مهنة من لا مهنة له !.[c1]*عن صحيفة / (( الوطن )) السعودية[/c]
توحيش الخطاب الديني
أخبار متعلقة