كما ان وقوع حادث مروري في طريق عام أو فرعي أو سريع نتيجة لعطب ما أو اهمال أو تهور، ليس كحادثة وقوع أو انهيار عمارة أو منزل او إدارة مكتب على رؤوس من فيه بسبب زرع عبوة ناسفة أو عملية انتحارية، أو انفجار سيارة مفخخة أو نتيجة لغش في البناء أو استخدام مواد مضروبة مخالفة للمواصفات.
وكما ان حصول حادثة غرق في بئر أو سد أو صهريج أو في عرض البحر .. ليست كحادثة خطف واغتصاب وقتل طفل أو طفلة .. وكما ان التسلل إلى منزل أو حانوت أو متجر لغرض سرقة أي شيء يجده أمامه، ليس كإقدام شخص أو مجموعة على تنفيذ عملية سطو مسلح على متجر أو مصرف أو منشأة خدمية أو أرضية.
كما ان اقدام أحدهم على سرقة سيارة أو مركبة للتنقل بها أو بيعها أو تشلحيها ليست كنهب وسرقة الآثار والمخطوطات وبيعها والمتاجرة بها وتهريبها .. وكما ان نشوب خلاف وشجار بين جارين في السكن أو زميلين في العمل أو غريبين في سوق أو طريق أو ممر ليس كمظاهر اقتناء وحمل السلاح، لترهيب الناس والاعتداء عليهم وعلى حريتهم والتقطع والكمون لهم في زاوية أو طريق بقصد سلبهم ونهب ممتلكاتهم وقتلهم أو توقيفهم وفرزهم وتنفيذ القتل فيهم رمياً بالرصاص أو طعناً بالجنابي أو ذبحاً بالسكاكين.
وكما ان احتيال ونصب أحدهم على أبيه أو أسرته أو شريكه في العمل، ليس كذلك الذي يقدم على نهب المال العام واستغلال وظيفته وموقعه لظلم الآخرين وحرمانهم من حقوقهم وإذلالهم وتعويق القوانين.
فإن عدم وجود تشابه أو تطابق بين أسباب ودوافع وآثار الحوادث الأولى وبين اسباب ودوافع ونتائج الحوادث الثانية، لا يقتصر على الاختلاف في مسمياتها كأن ندعو الأولى منها حوادث عرضية تكون المسؤولية فيها شخصية ومحدودة. والثانية منها جرائم يكون المقدم عليها شخصاً أو مجموعة تطال آثارها وعواقبها بشكل مباشر وغير مباشر أمن واستقرار وسكينة المجتمع برمته. بمعنى قد يترك وقوع الحوادث العرضية الاولى في نفوس الغير قدراً من الحزن والتعاطف والتنبه، يزول بزاولها ولا يبقى طويلاً بعد حدوثها، عكس وقوع الجرائم من النوع الثاني الذي يثير وقوعها الفزع والخوف والتأزم النفسي الذي نشأ مع حدوثها ويظل بعده لفترات زمنية طويلة حتى وإن جرى اعمال القانون في مرتكبيها، وترميم آثارها ونتائجها في المجتمع المعين.
لذا فقد حتمت طبيعة وظروف ونتائج ارتكاب مثل هذه الجرائم بوصفها قضايا رأي عام، وضع الدولة بمؤسساتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية أمام مسؤوليات بها تكون أو لا تكون. تكون عندما تطبق القانون وتلتزم به ولا تحيد عنه لاثبات جدارتها ومصداقيتها واحقيتها في تحمل مسؤوليتها. ولا تكون عندما تجنح إلى المساومة والتردد والمخاتلة والخوف والمجاملة، برفع الصوت وتغييب الفعل، والاعتماد على الوقت في تناسي الحقوق والتفريط بها وضياعها.
فالاقدام على نهب مال عام أو ارتكاب جريمة اغتصاب أو التعدي على ملك عام، أو تدمير أو سرقة آثار، أو التمرد والخروج عن النظام وإثارة القلاقل والاحتراب، وطرق مسالك الابتزاز .. الخ من سفك دم وتشريد وتهديد وحصار .. الخ .. الخ جميعها جرائم جسام يطلق عليها قضايا رأي عام، لا ينفع معها التسامح ولا يوقف مدها التصالح ولا يوهنها أو يندي جبينها سخاء التعويضات والتنازل عن ما فات، ولا يدمل جراحها ومآسيها وتنامي مخاوفها بقاؤها خارج دائرة الملاحقة والمساءلة والعقاب وفق القانون وعدم التعامل معها كقضايا رأي عام لا تقبل مواجهتها التأجيل أو الترحيل ولا ينفع الدخول معها في مراهنة الركون لضعف الذاكرة والنسيان، لأنها مراهنة خاسرة سرعان ما ينكشف أمرها ويسقط شرها وينقلب سحرها على من اعتمدها ولاذ بها.
حذارِ .. إنها قضايا رأي عام
أخبار متعلقة