مع ولوج المكونات السياسية في مؤتمر الحوار الوطني دلف اليمن واليمانيون إلى أعتاب عهد جديد من التقدم والتطور والازدهار، إذ أضحى الحوار الوطني المسؤول الأرضية الخصبة التي يمكن أن تبنى عليها آمال وأماني وتطلعات الأمة الواعدة بالخير والنماء، والصعود عالياً في مدارج الكمال، حيث المستقبل الحقيقي الأفضل لكافة شرائح وفئات شعبنا اليمني العظيم الذي قدم الكثير والكثير من اجل إنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يشهد اليمن والمنطقة برمتها نظيراً له أو مثيلاً، لاسيما وأن انعقاده أقر في ظل ظروف مربكة ومقلقة لجل التيارات السياسية التي تبدى لها منذ الوهلة الأولى أن الحوار بديل أمثل للاقتتال والاحتراب، وذلك الوضع المأساوي الذي ظهر في أبشع صورة في ذلك الانقسام المروع، والتشظي الخانق على مستوى الأسرة الواحدة في البيت اليمني، والشارع الشعبي في الحي والمدرسة والمسجد، وامتد ليشمل المؤسسة العسكرية والأمنية ذلك لأن الدولة لم تكن دولة مؤسسات، وإنما كانت دولة أقطاب وأشخاص ليس إلا.
فاليمن في ذلك الظرف القائم قدم جحافل وأنهاراً من الدماء الطاهرة الزكية التي أروت شجرة الحرية طلباً للدولة المدنية الراقية وإحياء لقيم المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، وتجسيداً لمبدأ الشراكة الحقيقية في السلطة والثروة، وإعمالاً لتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع أبناء اليمن الواحد الموحد في سبيل إجراء التعايش الآمن السلس بين الجميع على اختلاف في المذاهب وتباين في القرى والمدن والمناطق، فاليمانيون إخوة متعايشون ومتعاونون إن شاء الله عزوجل في ظل الدولة المدنية الحديثة.. دولة المؤسسات والعمل المؤسسي ودولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
إننا على أعتاب نظام جديد ومستقبل مشرق لكافة اليمانيين على أسس الشراكة الوطنية الحقة، فاليمانيون شركاء في السلطة والثروة تبعاً لحزمة الأسس التالية :
أولاً : تجسيد مبدأ التداول السلمي بين مختلف مكونات العمل السياسي وشركاء الفعل الوطني إعمالاً وتنفيذاً لمواد الدستور التي تناهض السطو على السلطة والثروة أو التفرد بهما.
ثانياً : الكف عن العمل الشمولي والأحادية السياسية والإدارية، في ظل ازدهار تجربة الحكم الرشيد التي تناوئ الاستحواذ والاستئثار على مفاصل وهيئات الحكم الفعالة في البلاد.
ثالثاً : تحقيق التعايش الآمن والسلس بين جميع شرائح وفئات شعبنا اليمني العظيم ومناوأة كافة دعاوى العنصرية والمناطقية والمذهبية البغيضة، ونبذ كافة أشكال وصور ثقافة الكراهية والعداء بحيث يأمن الجميع في ظل الدولة المدنية.. دولة الشراكة الحقيقية والمواطنة المتساوية والعادلة في الحقوق والواجبات وفي تكافؤ فرص العمل والانتخاب والترشيح والترقية والتعيين.
لقد أسدل الظرف القائم الستار على النظام الشمولي ذي الأحادية السياسية فثمة متغيرات لإرساء قواعد الشراكة الوطنية الحقيقية إذ تبدلت قناعات الناس وتغيرت أحوالهم صوب النداءات الصريحة بطلب الشراكة في السلطة والثروة ومناهضة الشمولية والتفرد بالسلطة وبالثروة وبالقرار السياسي، كما أن المجاميع والقوى السياسية هي الأخرى لم تعد منكفئة على الذات، فمصفوفة العمل السياسي والحزبي طرأ عليها نوع من التغيير في الرغبة الجامحة التي يعاف معها التسلط والشمولية في سبيل البحث عن موطئ قدم في الشراكة كونها تحد من نفوذ وتسلط الحاكم الذي كان في ظل النظام السياسي السابق نظام الشمولية والأحادية السياسية والإدارية.
إننا أمام منظومة متكاملة من متغيرات الشراكة الوطنية ومن أسسها في ظل النظام السياسي الجديد ذي المستقبل المشرق الوضاء المزدهر، صوب تفعيل ضمانات البناء والإعمار والتنمية الشاملة في مختلف المجالات والميادين تخطياً لبعبع التشظي ولهول الانقسام، متمنين أن نرى هذا الشعب اليمني العظيم شماله وجنوبه وشرقه وغربه موحد الأوصال معافى من أدران الفرقة والقطيعة، يتجه صوب جمع الكلمة ولم الشمل ووحدة الصف مهما كانت الفتن والإحن، ومهما تعاظمت المؤامرات والدسائس، مؤكدين على أننا أبناء شعب واحد.. وقضية واحدة، ونحن شركاء لافرقاء .. شركاء في السلطة والثروة ، فمن خلال القنوات والأطر والفعاليات المناسبة في إطار الدولة المدنية الحديثة المرتقبة يصبح الجميع شركاء في صنع القرار السياسي، وشركاء في صنع أبرز التحولات على المسارات المحلية والإقليمية والدولية، فالشعب مالك السلطة ومصدرها الوحيد بعد الله عز وجل حيث سيجرى تفعيل هذه الحقيقة وإخراجها إلى الواقع العملي الملموس.
فالمفروض ألا يتكدر الواقع، فبلوغ الشراكة الوطنية سيتم خطوة خطوة في ظل الفهم والوعي الذي وصلت إليه الجماهير اليمنية التي تحاول أن تتخطى الصعاب، وتترجم أمانيها وتطلعاتها إلى واقع حي تذوب فيه كافة الكيانات ويبقى كيان الأمة التليد الذي يعبر عن الواقع الشعبي والجماهيري والوطني، ويسمو في نفض غبار الرق والتبعية والاستعباد المفرط ليصبح شريكاً ذا اعتبار في السلطة والثروة على قاعدة المساواة والمفاضلة بين الكفاءات والقدرات على أساس الخبرات.
وأجدني اللحظة واليراع بين أنا ملي عازماً على إفشاء سر دفين من أسرار الشراكة الوطنية الحقيقية والمتمثل في ديمومة التقبل ومتغير الانكفاء على العمل الجماعي لا على الذات الجالب للظنون والوساوس والتهيؤات التي قد تدفع باتجاه فض الشراكة الوطنية حتى يخال للمراقب من هول الانكسار أننا في غابة توسع بالفوضى إعمالاً، وتزاحم الوجود الحيواني المتفلت من القيود.
واللافت للنظر أن العديد من أنماط الشراكة الوطنية الحقيقية في بعض الأقطار والبلدان هي ردة فعل إيجابية لعدم تقبل نظام الشمولية والأحادية السياسية ذا القطب الواحد الذي يمثل الديكتاتورية السياسية بعينها في أنظمة حكم بوليسية قمعية تصادر الحريات الشخصية وتفرض الواجبات التي تثقل الكاهل دون الاعتراف بأدنى حق في سبيل الفظاظة والغلظة والتوجس من الآخر.
ويداعب قلبي المرهف إحساس وهاج بعظمة وفرادة التجربة اليمنية التي ستتميز عن باقي دول الربيع العربي والنظم العربية قاطبة في اتجاه خلق وعي وطني وشعبي وجماهيري حقيقي بأهمية الدور القيادي والريادي الذي يضطلع به اليمن في سبيل تقديم تجربة رائدة للأمة العربية تكون عنواناً راقياً لبواعث الخير والمحبة والسلم الاجتماعي والتعايش السلمي الآمن.
إن المجاميع والقوى السياسية والاجتماعية تتأهب لتدشين فعالية الشراكة الوطنية الحقيقية ما يستدعي مضافرة الجهود لبلورة أبجديات الشراكة على أرض الواقع المعاش والانطلاق صوب تعزيز مداميك البناء والإعمار التنموي الشامل، وتأطير الرغبة الجامحة بمؤطر النضال السياسي السلمي لنيل كافة الحقوق المشروعة التي تضمنها الدستور والقوانين النافذة التي سترعى حقوقاً كانت مهدورة من ذي قبل، إلى ذلك فإن على الحراك الوطني السياسي (مصفوفة الأحزاب والتنظيمات السياسية والاجتماعية) رعاية التجربة الفريدة والجديدة، وإخضاع متطلبات الواقع لمقتضيات العصر الراهن مخافة أن تتبعثر الجهود ولئلا تتشتت الطاقات في انسجام وتناغم مع المولدات والبواعث الحقيقية للشراكة الوطنية التي ستضم بين جناحيها فرقاء العمل السياسي الذين سيصبحون عما قريب شركاء العمل الوطني .
وإلى لقاء يتجدد والله المستعان على مايصفون.
الشراكة الوطنية .. الأسس والمتغيرات
أخبار متعلقة