واقع كرتوني دخيل يسقط الطفل في فخ جذاب
كتب/ رضاب فيصلافتح التلفاز على واحدة من قنوات العرض المتخصصة ببرامج الأطفال. ماذا سترى؟ ما هو انطباعك عن الأشكال الموجودة؟ أو عن القصة المحكية؟ لا بد من أنك شاهدت ما هو مختلف تماماً، عن تلك البرامج التي كانت يوماً، وقت كنت طفلاً صغيراً.ثمة اختلاف واضح فعلاً ليس بين الجيلين فحسب، بل في نمط المنظومة الحياتية كلها، بين الحاضر اليومي المعيش وبين الماضي القريب قبل سنوات ليست بالكثيرة.أول ما ستلاحظ في الاختلاف هو شكل الشخصيات الكرتونية المقدمة الآن، الاختلاف يشمل أيضاً ملامح البيئة المكانية التي تجري فيها الأحداث، فمعظم الأشكال المقدمة ليست إنسانية، ولا حتى حيوانية.إنها أشكال غريبة لوحوش لا وجود لها إلا في الخيال العلمي. وإن لم تكن وحوشاً من المؤكد أنها شخوص بمنتهى البعد عن الواقع، مركبة تركيبة معقدة، آلية ناطقة تملك من المشاعر ما يكفي للتعبير عن الجوع والغضب وانفعالات أخرى غير عميقة، ولتضعها في مواقف متعددة من وحي القصة بصراعات سطحية تكون غالباً بين بعضها البعض أو ضمن حبكة مشوقة تحوي الكثير من الأكشن.أما البيئة المكانية، وعلى الرغم من محاولة تقريب ديكوراتها واغراضها من ذهن الطفل المتلقي، إلا أنها تظل كما لو انها توجد في الفضاء، أو في كوكبٍ آخر يشبه كوكبنا قليلاً. حيث يوحي نمط الرسم المستخدم في الصور المتتابعة والتي تشكل مشاهد متتالية، بالغرابة، بالميكانيكية، بحياة الآلات فيما لو كانت تملك واحدة وأحياناً تفضي الرسومات إلى عالم غير أليف من الوحوش، الشريرة منها والخيرة.هنا نستحضر أشكال شخصيات مسلسلات الكرتون في الزمن الماضي، حينما كانت بشراً تخوض صراعات من صلب واقع الحياة ذاتها، واقعية، بملامح إنسانية توازي الحقيقية وتشبهها حد التطابق، فيها من الروح ما يمنحها صراعات مؤلمة ومصيرية بينها وبين ذاتها، حتى في العلاقة بينها وبين الآخر.أيضاً فإن كل ما كان يتعلق بهذه الشخصيات كان واقعياً بما في ذلك البيئة المكانية والزمانية، اللتان تفضيان حتماً إلى قصة احداثها المرويّة تؤثر على الطفل بشكلٍ مباشر، تثير مشاعره الداخلية الصادقة، ولا تمر في ذاكرته مرور الكرام، إذ لا زال من عاشوا تلك الفترة من الزمن، يذكرون اليوم قصصاً وحكايات مسلسلات الكرتون التي كانت تعرض لهم حينما كانوا صغاراً، ينقلونها بحسرة عند مقارنتها بهذه التي تعرض اليوم لأبنائهم.وتأتي هذه الحسرة من التحول الذي طرأ على شكل ونوعية مسلسلات الكرتون المعاصرة، والمقدمة للأطفال في مجتمعاتنا العربية.فالحياة الحالية استطاعت بمنهجها الذي صرنا نعيش وفقه، أن تعكس مفرداتها الاستهلاكية على النمط العام الذي يحيط بثقافة الطفل العربي، بما في ذلك الطريقة المعاصرة في رسم وحياكة سيناريوهات المسلسلات الكرتونية المستوردة من الغرب والمدبلجة إلى اللغة العربية في استوديوهات محلية.فهذا الالتصاق الفظيع بالآلات والتكنولوجيا، حول دراما صغارنا إلى دراما ناطقة بحال المجتمع، ذهبت مع البعد التكنولوجي إلى أقصى حد، حتى أصبح الإنسان فيها مجرد مسخ ينام ويستيقظ ويأكل باستخدام الأزرار وأجهزة التحكم.بالإضافة إلى ما ذكر، تتسبب الأشكال والشخوص المخيفة في معظم ما يعرض حالياً، بخوف الطفل خاصةً أثناء النوم، وفي تشويه رؤيته البصرية وتعوده على القبح. وترسخ لديه تأصيل المكنات التكنولوجية على أنها امر محتم، يمكنها أن تتحول يوماً إنساناً، أو أن يتحول إليها الإنسان يوماً. ما يعني أنها توطد العلاقة بينه وبين الآلة، على حساب علاقته الحقيقية مع أهله ورفاقه وغيرهم من البشر حوله.بالمقابل توجد محاولات عربية على سبيل المثال تشكل الصناعات الإماراتية لمسلسلات الكرتون أحد أمثلتها، تعيد الحياة إلى شكلها الطبيعي في ذهن الطفل العربي اليوم من خلال رصدها ورسمها لشخصيات واقعية من الحياة نفسها، غير منفصلة عن الواقع المتطور الذي يعيشه، وفي الوقت نفسه، تنمي لديه ما يلزم من الأخلاق وأسس التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء وداخل البيت وفي المدرسة وتنزعه من القوقعة والعزلة اللتين تفرضهما المسلسلات الحديثة، وأجهزة الاتصال الذكية المتوافرة بين يديه بكثرة.