العلاجات المدهشة للشاي الأخضر
عرض/أيمن عصام: الشاي منبه معروف جيداً للنظام العصبي المركزي. ويرجع هذا الأثر فيه إلى الكافيين، الذي يحرض العمل الفكري والجهد العضلي. والكافيين مسؤول أيضاً عن الخصائص المدرة للبول في الشاي وعن قدرته على تنشيط الوظائف القلبية ـ التنفسية. إن هذا القلوي الذي يكون على شكل حر في القهوة يرتبط جزئياً مع مركبات فينولية في الشاي. ولهذا السبب فإن الكافيين يحرَّر في المتعضية عند تناول كمية متساوية منه (في الشاي والقهوة) بشكل أبطأ وأكثر تدرجية عندما نتناول الشاي ويكون تأثيره المنبه أقل حدة من تأثير القهوة.خلال السنوات الأخيرة الماضية نشرت مقالات كثيرة جداً في المجلات العلمية الدولية أكدت على تأثير وقائي أو علاجي للشاي في تصلب الشرايين. وبشكل عملي، فقد أنجز الباحثان اليابانيان إيمي K. Imai وناكاشي K. Nakachi، من مركز البحث حول السرطان في سيتاما Saitama، دراسات في علم الجوائح شملت 1371 شخصاً بعمر أعلى من 40 سنة موزعين على ثلاث مجموعات بحسب استهلاكهم للشاي. وقد بينت أبحاثهم أن الشرب المنتظم للشاي الأخضر كان يقلص بشكل ملحوظ نسبة الشحوم في الدم وبخاصة الكوليسترول. وكلما كان هذا الاستهلاك أكبر كانت نسب الكوليسترول أدنى، وبخاصة عند مستهلكي العشر فناجين وأكثر. وهكذا كان رجحان 1الأمراض القلبية الشريانية 26 في الألف لهذه المجموعة مقارنة بنحو 40 في الألف عند الشاربين لثلاثة فناجين وأقل. وبشكل نوعي، فإن نسبة الـ HDL (الكثافة العالية للشحوم البروتينية high denzity lipoprotein)، حيث تؤمن الشحوم البروتينية انتقال الكوليسترول “الجيد”، تزداد بشكل ملحوظ، ونسبة الـ LDL (الكثافة المنخفضة للشحوم البروتينية LOW DENSITY LIPOPROTEIN)، الموافقة للكوليسترول “السيئ” الداخل في الأمراض القلبية الشريانية، تتقلص بشكل مواز. وكانت هذه النتائج قد أكدت باختبارات تمت على الحيوان الخاضع لنظام غذائي محمل بنسبة عالية بالشحوم. وقام سيرفينغ كلي Sirving Keli، من National Institute of Public Health and Environmental Protection في بيلتهوفن Bilthoven، بدراسة هولندية سميت “the Zutphen study” وتتعلق هذه المرة بالشاي الأسود. [c1]الشاي في عهد سلالة التانغ[/c]وقد تأسس فن الشاي في عهد سلالة التانغ المجيدة (618 - 907). واحتل مكانه في هذا العصر إلى جانب الرسم والشعر. وفي عهد هذه السلالة وضع الشاعر لو ـ يو Lu-Yu في القرن الثامن دستور الشاي المعروف باسم تشاكينغ Tchaking، وهو أول عمل يتناول الشاي بمجمله، من قطاف الأوراق إلى إعداد الشراب. وشكل الشاي آنئذ مادة تجارة مزدهرة ولم تتأخر الحكومة الامبراطورية في فرض ضريبة سميت مكس الشاي أو القطاف الامبراطوري. وقد استهلك الشاي على مدى قرون على شكل أوراق تضغط وتجفف فيما يشبه قطع الحلوى، وتغلى غالباً مع الأرز والتوابل والحليب والبصل. كان الشاي يحضر بالغلي والخفق في عهد سلالة السونغ (960 - 1279). واستمرت هذه الممارسة أيضاً مع بعض التلطيف تحت اسم طقس الشاي في اليابان. وأخيراً حل ابريق الشاي في عهد سلالة المينغ على الأرجح (1368 - 1644) محل الغلاية وبدأ الشاي يستهلك بالنقع. واكتشفت أوروبا هذا الشراب في بداية القرن السابع عشر، وجعلته انكلترا التي افتتنت به شرابها الوطني. ويمثل الشاي اليوم المشروب الثاني المستهلك في العالم بعد الماء.ومنذ بضعة آلاف سنة كانت أوراق الشاي تستخدم في الطب التقليدي في آسيا كلها. ونجد الشاي الأخضر والشاي الأسود في الطبعة العاشرة دستور الصيدلة الفرنسي على شكل دراستين نشرتا عام 1994. وبالنسبة للطب التقليدي الصيني، فإن الشاي يصفي الرأس والعينين، ويسهل الهضم، وييسر التبويل ويعادل السميات. وهو يتعلق بالخطوط النصفية في القلب والرئتين والمعدة. وإضافة إلى ذلك فإن علك أوراق الشاي ناجع جداً ضد الرائحة السيئة. وأخيراً فإنه يوصى بعدم رمي أوراق النقع: فهي إذا استخدمت كوسادة تؤمن نوماً لا مثيل له.إن شجرة الشاي في حالتها البرية (Camellia sinensis) هي جنبة بارتفاع خمسة أمتار. ولكنها تقلم في معظم الزراعات بارتفاع نحو 1,20 متر من أجل تسهيل قطاف الاوراق. ويقطف البرعم النهائي أو البيكو pekoe (دوفيتو في الصينية) والأوراق الأولى (من واحدة إلى ثلاث أوراق بحسب نوعية الشاي). وهناك ثلاثة أصناف للشاي: أنواع الشاي غير المخمرة، أو الشاي الأخضر، وتمثل 80 إلى 90 % من الانتاج الصيني؛ وأنواع الشاي نصف المخمرة والمسماة أوولونغ Oolong، وأنواع الشاي المخمرة أو الشاي الأسود (الشاي الأحمر في الصين) وتشكل 90 % من الانتاج الهندي. ومن أجل الحصول على الشاي الأخضر تخضع الأوراق للتثبيت بواسطة الحرارة الجافة أو الرطبة. وتؤدي هذه العملية إلى تدمير الإنزيمات، وبخاصة البوليفينول أوكسيداز التي كما يشير اسمها تؤكسد البوليفينول. وكانت تحقق تقليدياً بالتحميص في مواقد بشكل أجران. ثم تلف الأوراق باليد أو بالآلة وتخضع لتحميص جديد. وفي الطرق الأحدث، وبخاصة في اليابان، يتم التثبيت بالبخار.[c1]الشاي الأسود[/c]الشاي الأسود يُخمر في الهواء الرطب، مما يغير التركيب الكيميائي للأوراق ويعطيها لونها ويتطلب تحضير الشاي الأخضر مراحل كثيرة: فالتذبيل يشتمل على ترك الأوراق الرطبة على حصائر نحو عشرين ساعة. وبعد أن تطرى بهذا الشكل تلف بالأيدي أو بالآلة ما يحرر البوليفينول المؤكسد. ويبدأ عندها التخمر في الهواء الرطب الذي يدوم من ثلاث إلى خمس ساعات. وتؤدي هذه المعالجة إلى تغيير عميق في التركيب الكيميائي للأوراق التي تأخذ تلويناً أسوداً إثر هذه الأكسدة الإنزيمية. وأخيراً تجفف الأوراق في الهواء الحار.إن العناصر الفعالة الأساسية في الشاي هي الكافئين والبوليفينول. وتتراوح درجة الكافئين (القلوي بمعظمه) في الأوراق بين 2 و 4 %. وقد سمي لفترة طويلة شايين، لكن هذه القلوية هي في الحقيقة الجزيء نفسه الذي في القهوة. أما المركبات الفينولية فتمثل بمواد من مجموعة الفلافانول، المسماة كاتكول وإبيغالاكاتكول pigallocatecol وأحد المشتقات وهو gallate d’ épigallocatecol GEGC )) .إن عدد أورام الجلد أقل بكثير عند الفئران شاربة الشاي الأخضر وهي تظهر متأخرة اكثر. وتمثل هذه المشتقات الغزيرة جداً نحو 25 % من وزن الأوراق الجافة. ومن الجدير ذكره أن التخمر في الشاي الأسود يؤدي إلى تحول في هذه العناصر الفعالة البوليفينولية إلى مركبات أكثر تعقيداً (théarubigines و théaflavines) وهي المسؤولة عن التلوين الأحمر للنقيع. إن الفيتامين C الغزير جداً في الأوراق الطازجة (0,6 %) يوجد في الشاي الأخضر لكنه مدمر كلياً تقريباً في الشاي الأسود. وأخيراً، فإن نسبة الفلور في أوراق الشاي (بضعة أجزاء من مليون من الجزء) كافية بدرجة كبيرة للوقاية من نخر الأسنان.[c1] الشاي الأخضر[/c]وتجري حالياً اختبارات على كائنات حية على نماذج كثيرة لأورام محرضة عند الحيوان. وبشكل عام فإن شرب الشاي الأخضر يسمح بالوقاية ضد بعض أورام الجلد والرئة. كذا فإن أعمال زهي وانغ Zhi Wang وحسن مختار، من Veterans Administration Medical Center في كليفلاند، تبين بوضوح التأثير الكابح للشاي الأخضر عندما نحقن فئراناً بآفات جلدية مع أشعة فوق بنفسجية B. ولا تتلقى المجموعة الشاهدة سوى الماء، في حين أن المجموعات المختبرة تتلقى الشاي الأخضر قبل أسبوع من التعرض للأشعة فوق البنفسجية (B UVB) وخلال أسبوع التعرض لها. وتكون مساحة وكثافة وشدة الآفات أقل بشكل ملحوظ عند الحيوانات الشاربة للشاي. وفي سبر اختباري مشابه، تُبع التعريض للـ UVB بعد أسبوع بإعطاء مركب محرض لتطور الأورام. فكان عدد أورام الجلد عندها أقل بكثير عند الفئران الشاربة للشاي الأخضر وكانت فترة ظهورها أطول. وكشفت دراسة مهمة أخرى قام بها هوفمان D. Hoffmann، من American Health Foundation في نيويورك، عن التأثير الوقائي للشاي الأخضر وعن عنصره الفعال، GEGC، على نوع من ورم الرئة عند الفئران. وفي هاتين الحالتين الأخيرتين كان عدد الأورام يتقلص بشكل ملحوظ إلى نحو 50 %.[c1]أساطير الشاي[/c]إن تاريخ الشاي طيب المذاق! فهو يبدأ في الصين منذ بضعة آلاف من السنين وتاريخه الأول يرجع إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. يذكر ان الامبراطور الالهي شن نونغ Shen Nung أبو الزراعة والطب في الصين. فإلى جانب اهتمامه بالنباتات والزراعة أدخل بعض المفاهيم في الصحة بنصح تلاميذه بغلي الماء قبل شربه. وهو يمثل تقليدياً برأس جاموس على جسم انسان. وقصة ذلك هي التالية: في يوم صيفي حار، كان شن نونغ يروي ظمأه تحت شجرة من قصعة من الماء المغلي. فسقطت ورقة أو ورقتان بالصدفة في الوعاء. فتذوق هذا النقيع، لفضوله العلمي أو لعطشه، وتحمس للمذاق الجديد لهذا الشراب المنشط. وهكذا ولد الشاي، بحسب التاريخ الصيني، في عام 2757 قبل الميلاد. وترجع الأسطورة الثانية إلى القرن السادس الميلادي. فقد جاء احد الرهبان الهندوسيين، بودهيدارما Bodhidarma ليبشر في الصين ببوذية الزن، وكان قد نذر ألا ينام طيلة تسع سنوات. وبعد أن أمضى بضع سنوات في هذا النظام انتهى به الامر إلى التناعس خلال تعبده تحت شجرة. ولما كان قد استبد به الارهاق والضنى فقد قص أجفانه ودفنها بعناية. وفي هذا الموضع بالضبط ولدت نبتة تسمى تشا Tch’a.[c1]آثاره على الشحوم[/c]أما فيما يتعلق بآثاره على الشحوم ، فإن الشاي الأسود والشاي الأخضر متساويا التاثير ، على الأقل في النماذج الحيوانية. وبالنسبة للوقاية من السرطانات، فإن الشاي الأخضر هو بلا شك في الوقت الراهن الخيار الأمثل.