أمين عبدالله إبراهيمعلى الرغم من أن الشواهد تدل على أن بلادنا قد دخلت في المرحلة الثانية من الانتقال الديموغرافي التي تتميز بالثبات النسبي لمعدلات الخصوبة المرتفعة، أو ميلها للانخفاض بشكل طفيف، وانخفاض معدلات الوفيات نتيجة لانحسار الأوبئة والأمراض المعدية والمستوطنة، وبسبب التحسن النسبي الذي طرأ على الخدمات الطبية والصحية، وكذا خدمات الإصحاح البيئي.إلا أننا لا بد أن نشير إلى أمر مهم، وهو أن الزيادة السكانية ووعي المواطن وإقباله على الخدمات الصحية والطبية قد جعل الإقبال على هذه الخدمات الطبية والصحية يتزايد بشكل كبير وواضح ما يجعل الخدمات المتوفرة تبدو ضئيلة وفي تناقص مستمر مقارنة بالطلب المتزايد عليها، الأمر الذي يؤدي إلى تضاؤل فعاليتها وشموليتها المتمثلة بتناقص نسب التغطية بالخدمات الصحية، ولعل ما يزيد الحال سوءاً وتعقيداً تضاؤل وثبات نسبة الإنفاق القومي على الصحة، حيث أنه منذ سنين عدة لم يتجاوز 3.8 % من ميزانية الدولة.عموماً، إن تحسن وعي المواطن حول أهمية النظافة ووجود المياه وإن كانت بكمية لا تفي بالغرض بشكله الكامل، ولا يقابلها صرف صحي جيد، يجعل المخلفات السائلة تنذر بكارثة بيئية ستؤدي حتماً إلى الانتكاسة والانقلاب على منحى التطور الصحي والبيئي، الأمر الذي قد يعود باليمن مرة أخرى إلى مرحلة الأوبئة والأمراض المتوطنة وقد تصبح اليمن متحفاً وبائياً ما لم يتم اتخاذ جملة من الخطط والسياسات والموازنات للتصدي للفقر والتلوث والتصحر واستنزاف المياه، والاستخدام الرشيد للموارد المتاحة، والتصدي للمفاهيم السكانية الخاطئة، إذ أن أكثر من 60% من السكان لا تتوفر لهم مياه الشرب النقية، والمعدل آخذ بالازدياد.الجدير بالذكر أن العالم قد ولج إلى القرن الحادي والعشرين بسكان يزيد عددهم على 6 مليار نسمة، يعيش أكثر من ثلثي هذا الرقم في العالم النامي الذي يحمل معه أصناف البؤس والفقر والتخلف، وشح الموارد، والاحتكام إلى علاقات اجتماعية وثقافية وسياسية وإنسانية متخلفة، وغير متوازنة تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والفقيرة، فالدول المتقدمة قد استكملت خططها وحشدت كل إمكانياتها لاستقبال القرن الواحد والعشرين، أما الدول النامية فليس لديها إلا مديونيات ضخمة، وعلاقات معقدة وارتهان سياسي واقتصادي وحروب وصراعات على المياه والغذاء والحدود.كما أن معدلات الزيادة السريعة في السكان لها تأثير سلبي على فرص تنمية الموارد، والتنمية على المستويين القومي والقطاعي، وعلى الأصعدة الخدمية للسكان من مياه شرب وخدمات صحية وتعليم، وأمن وإنارة وصرف صحي وغيره من الخدمات الأساسية كما ينعكس على رفاهية الفرد والأسرة والمجتمع صحياً وثقافياً ومعيشياً.لذلك، يرى المخططون وخبراء السكان والتنمية بأن تقدير الاحتياجات المستقبلية في القطاع الصحي يعد جزءاً مهماً من التخطيط الصحي الذي بدوره يحتاج إلى معرفة النمو السكاني، وعدد السكان بشكل عام، والتوزيع الجغرافي بالإضافة إلى التركيب العمري والنوعي لهم، حيث من المعروف أن هناك فئات من المجتمع تحتاج إلى نوع من الخدمات الصحية تختلف عنه للفئات العمرية الأخرى.كما يؤكد هؤلاء المخططون والخبراء أيضاً على أن نمط النمو السكاني المرتفع سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب والاحتياج إلى تأهيل للقوى العاملة في المجال الصحي، وكذلك للمؤسسات الصحية وسيكون الطلب أكثر بكثير إذا ما حاولنا تحسين هذه النسبة وتخفيف العبء بغية الوصول إلى نوعية أفضل للرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، لكن البديل المنخفض الذي نتج عن تبني أهداف الاستراتيجيات والسياسات السكانية، ونشر برامج تنظيم الأسرة بشكل أكبر، وتخفيض مستوى الخصوبة سيجعل من رفع المستوى الصحي للسكان أمراً مقدوراً عليه، وبكلفة أقل تتناسب إلى حد ما مع إمكانية البلد المعني.
أخبار متعلقة