شخصيات خالدة
يعد جان جاك روسو أحد أهم فلاسفة التنور الفرنسي، حيث بدأت الفلسفة الطبيعية بالانتشار على يديه في فرنسا ومن خلال هذه الفلسفة وجه روسو سهام النقد نحو شرور الحياة السياسية والاجتماعية ونحو أساليب التربية آنذاك، ولم يكتف روسو بالنقد بل وضع تصوراته العقلية لمجتمع تتحقق فيه الحرية ويربى أفراده تربية طبيعية تتحقق من خلالها الحرية.ولد جان جاك روسو من عائلة فرنسية الأصل في مدينة جنيف في سويسرا عام 1712. تميزت حياة روسو ومنذ ولادته بالشقاء والتشرد والتعاسة، فبعد ولادته بأسبوع توفيت والدته لتتركه يتلقى العناية من الآخرين. وفي وصف شخصيته التعسة نراه يتذكر في كتاب "الاعترافات": "لقد ولدت ضعيفاً ومريضاً، وقد دفعت والدتي حياتها ثمن ولادتي، هذه الولادة التي كانت أول مصائبي".لم يبلغ السادسة من عمره الا وكان أبوه يحمله على قراءة القصص الروائية والكتب الفلسفية ، وبعد دخول والده في مشاجرة عنيفة واعتدائه بالضرب على الغير واضطراره للهرب من جنيف خوفاً من ملاحقة العدالة له، بدأت حياة الشقاء والتشرد تلاحق روسو لتبني شخصيته المعقدة. فقد أدخل في مدرسة بقي فيها سنتين اضطر لتركها بعد ان أخضع ظلماً لعقاب صارم. وبعد المدرسة وضع ليتعلم على أيدي أحد النقاشين حرفة النقش ولكن ظلم معلمه وجوره اضطراه للهرب من جنيف ليقيم عند سيدة محسنة في مدينة آنسي الفرنسية، والتي بدورها دفعته للتخلي عن المذهب البروتستانتي واعتناق المذهب الكاثوليكي وهو في السادسة عشرة من عمره. وبعد ذلك وبسبب حاجته للمال أخذ روسو ينتقل من عمل لآخر دون ان يجد ما يرضيه أو يوفر له الاستقرار، فمن سكرتير عند سيدة عجوز وحاجب عند آخر إلى مؤلف ومدرس موسيقى ومن ثم إلى منصب سكرتير لسفير فرنسا في البندقية والذي سرعان ما قدم استقالته منه ليعود إلى باريس ليعمل سكرتيراً ومن ثم في التنقيح الموسيقي.خلال إقامته في باريس وبعد ان وثق علاقته بنخبة المجتمع الباريسي اشترك روسو بمسابقة علمية أقامتها أكاديمية ديجو (Dijon) حول دور النهضة العلمية والفنية في إفساد الأخلاق أو إصلاحها. فما كان من مقالته التي اشترك فيها في المسابقة وهي "خطاب في العلوم والفنون" إلا ان نالت الجائزة لعام 1750 وهذا ما جلب لروسو الشهرة الواسعة مما شجعه على المضي في الكتابة.و بالرغم من ان مؤلفات روسو لاقت الشهرة الواسعة والإقبال الشديد على قراءتها عبر الأرجاء الأوروبية، فإن كتابيه "العقد الاجتماعي" و"إميل" قد جلبا له الانتقاد والسخط وغضب المؤمنين والملحدين، المسيحيين والفلاسفة. فقد حكم برلمان باريس، وبعد عشرين يوماً فقط، بحرق الكتابين وسجن مؤلفهما مما اضطره إلى الهرب إلى سويسرا والتي بدورها كانت قد أصدرت حكماً مماثلاً على الكتابين. فلجأ روسو إلى إنجلترا حيث تعرف هناك على دافيد هيوم ونزل ضيفاً عليه ولكنه ما لبث ان تخاصم مع هيوم وعاد إلى فرنسا ليعمل كناسخ نوتات حتى وفاته في عام 1778.(إن مبادئ الحق السياسي تجد أصولها في كتابات روسو السياسية وكذلك فإن الحرية في التربية تجد منطلقها ومبادئها في كتاباته وخاصة كتاب(إميل أو التربية) وكثيرا ما ردد روسو انه يعتبر كتابه(العقد الاجتماعي) مع كتاب اميل (أحسن ما أهداه لبني البشر)