أمين عبد الله إبراهيم تعيش الأمة العربية اقليماً وبلداناً مرحلة مهمة من تاريخها الحديث والمعاصر ، فهي تواجه تغيرات وتحديات خارجية وداخلية غير مسبوقة ، مثل انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في عدد من البلدان ، ومواجهة الضغوط الخارجية والنزاعات والحروب الداخلية، وهي أمور ذات تأثير في حاضر ومستقبل الشباب تتطلب بالضرورة اصلاحاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً شاملاً ، أكدت عليه قمة الملوك والرؤساء العرب بالجزائر عام 2005م. ولكي يصل الإصلاح إلى هدفه المنشود فمن الضروري استلهامه لتراثنا الروحي والحضاري، متفاعلاً - على نحو ايجابي - مع المتغيرات العالمية في ضوء تطورنا التاريخي والاجتماعي والسياسي ، خصوصاً وان لدى الأمة العربية من الإمكانات والفرص ما يجعلها قادرة على دعم التميز الحضاري ، وتحقيق الإصلاحات المنشودة ، وصيانة التنمية واستدامتها . غير انه بقدر ما نحوز من فرص وإمكانات روحية وبشرية ومادية، بقدر ما تواجهنا من عقبات وتحديات إقليمية وعالمية ، كرستها التنافسية العاتية للعولمة والتغيرات المتسارعة في المعلومات والمعرفة والتكنولوجيا والتطور اللا متكافئ بين دول الشمال والجنوب بصفة عامة. وتتميز مرحلة التحول الديموغرافي التي تمر بها كل الدول العربية - وإن بدرجات متفاوتة - بظهور ملحوظ للشباب كقوة اجتماعية وتنموية من ناحية ، وبتعقد قضاياهم النوعية من ناحية أخرى . فالجيل الحالي من الشباب العربي هو - بالأرقام المطلقة - أكثر الأجيال تعداداً ، وهو يصل مراحل البلوغ والإنجاب والإنتاج في عالم سريع التغير ، حيث يتأثر مستقبله ومستقبل أمته - ايجاباً أو سلباً - بوضعه التعليمي والصحي والاقتصادي والسياسي والدعم الذي يحصل عليه من أسرته ومجتمعاته وحكوماته ، كما أن هذا الجيل هو الأكثر تعلماً مقارنة بالأجيال السابقة ، قياساً بعدد سنوات الدراسة والتحصيل ونسبة الحاصلين منه على مؤهلات عليا، وهو ايضاً أفضل هذه الأجيال من حيث خصائصه الصحية ، قياساً بالعمر المتوقع عند الميلاد ، وان فئاته تحوز تنوعاً ثقافياً خلاقاً في إطار وحدة ثقافة أمته ، وهو أكثرها علماً ودراية بالثقافات الأخرى لتعرضه للفضائيات واستخدام الشبكة الدولية للمعلومات ، كما انه أكثر الأجيال استعداداً للمشاركة وتوظيف المعرفة والمساهمة الايجابية في الاستثمار والادخار والإنتاج. ولان النافذة الديموغرافية المترتبة عن التحول الديموغرافي توفر امكاناً بشرياً غير مسبوق ، ولا تأتي للمجتمع المحدد إلا مرة واحدة في تاريخه فمن المهم إعداد الشباب من كافة الجوانب الصحية والتعليمية والمهارية والقيمية ، وإتاحة فرص حقيقية لتفعيل مشاركته التنموية ،، كما فعلت النمور الآسيوية على سبيل المثال , ولأننا العرب بكم شبابنا الحالي وفي المستقبل أمام فرصة بشرية نادرة فإن الاستثمار في الشباب هو بالتأكيد استثمار مضمون العوائد المتجددة التي تصون التنمية الوطنية والإقليمية المتواصلة وتسهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي ومواجهة الفقر ، فإذا لم نعمل بجد في هذا الأمر فإننا نهدر فرصة تاريخية غير متكررة في تاريخ امتنا العربية. غير انه قد تزامنت مع هذه الخصائص الايجابية مخاطر غير مسبوقة تهدد الشباب بهذه الدرجة أو تلك فعولمة معايير الكفاءة والتنافسية طرحت مسألة جودة المنتج التعليمي ومدى صلاحيته للتوظيف في سوق عمل عالمي للمهارات التعليمية كهدف أصيل اما التعليم . كما أن نمو التعليم بمعدل أعلى من فرص العمل وطرح مسألة بطالة المتعلمين ، ومن ثم التأخر المطرد في الاعتماد على الذات والاستقلال الاقتصادي وتكوين اسر جديدة . ومع حدوث تحسن صحي في الوقاية والعلاج استجدت أمراض وبائية جديدة كالأمراض المنقولة جنسياً مثل الايدز ، كما طرح الاحتكاك الثقافي لتعدد الفضائيات وشبكة المعلومات ويسر التنقل الجغرافي مخاطر وتحديات أمام مسألة الهوية الحضارية للشباب ، إضافة إلى مخاطر أخرى مباشرة كالفقر والتهميش والهجرة الخارجية وتعاطي المخدرات، وبروز صور غير مسبوقة للتطرف والعنف وهي قضايا تكاد تكون قضايا شبابية حصراً. وإذا كانت الخصائص الايجابية للشباب العربي أتت نتيجة حصاد سياسات تنموية ناجحة إلى هذا الحد أو ذاك إلا أن هذه السياسات - بما في ذلك السياسات المعنية بالأطفال - تحتاج ( أكثر من أي وقت مضى) إلى إعادة تقييم ومراجعة للتطوير والتجديد للتعامل الايجابي مع الواقع الجديد الذي أسهمت في إنتاجه تلك السياسات متفاعلة مع المتغيرات العالمية ، الأمر الذي يقتضي العمل الجاد خلال الفترة الموالية للارتقاء بقدرات وفرص الشباب في مجالات الصحة والصحة الإنجابية والحقوق الإنجابية والتعليم والتدريب ، والتشغيل ومحاصرة البطالة ، والمشاركة ، والشراكة ، ومواجهة فجوة النوع الاجتماعي في خطة عمل عربية تنطلق من مفهوم حق الشباب العرب في التعليم والصحة والعمل ، تحدد وتنفذ في إطار تشاركي بين كافة الجهات المعنية : الحكومية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، والقطاع الخاص العربي والمؤسسات الإقليمية والدولية، وبمشاركة فعالة للأسرة من اجل التعامل على نحو ايجابي مع الواقع الجديد الذي أفرزته التطورات العالمية ، بما ينطوي عليه من تحديات ومخاطر وفرص.
أخبار متعلقة