الأميركيون المسلمون.. التنوع والتقدير والأهمية
بقلم / داليا مجاهد انتقلنا، أنا وعائلتي، إلى مدينة بيتسبرغ ، بولاية بنسلفانيا، بعد يوم واحد من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر المروّعة.كنا نشعر بالرعب والفزع، وانتابنا الغضب، شأننا شأن بقية الناس في البلاد، بسبب فقدان أرواح بريئة .وكنا أيضا خائفين، فلم نكن ندري كيف سيُنظر إلينا كمسلمين، وكيف سيُعاملنا جيراننا الجدد.في ذاك الوقت، كان العديد من الأميركيين المسلمين يخشون من العنف بدافع الانتقام ضد مجتمعنا. وفي ذلك الأسبوع، حذّر العديد من قيادات المجتمع الإسلامي من أن حضور صلاة الجمعة قد يكون هدفا لأعمال عنف، لدرجة أن هذه القيادات اقترحت على الناس عدم الحضور. ومع ذلك، قررنا، أنا وزوجي، أن نضع إيماننا فوق خوفنا، وأن نذهب إلى صلاة الجمعة في مدينتنا الجديدة.بدلا من مواجهة العداء من المجتمع الأوسع، وجدنا أن نصف الناس الحاضرين في المسجد في ذلك اليوم كانوا أميركيين من أتباع الديانات الأخرى، وقد جاؤوا للتعبير عن دعمهم وتضامنهم.هذه القصة هي شهادة على شجاعة ورحمة الأميركيين العاديين الذين اختاروا التعددية بدلا من التحيز. بل إن كثيرين منهم تشجّعوا على الحضور إلى مسجدنا، فقد شجّعتهم قياداتهم الدينية ممن عملوا مع المجتمع الإسلامي لسنوات طويلة. كما عرضت النساء من الديانات الأخرى مرافقة النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب عندما يخرجن إلى الشارع في حال قيام أي شخص بمضايقتهن بسبب مظهرهن.كان هذا المثال للتعاون بين الأديان في وقت المأساة أيضا نتاج جهود تواصل الأميركيين المسلمين في جميع أنحاء البلاد، والمتمثلة في انفتاحهم تجاه أتباع الديانات الأخرى ومساهمتهم في تحسين المجتمع ككل.هذا الارتياح النسبي مع التنوع ليس صعبا بالنسبة للأميركيين المسلمين. فأميركا هي إحدى البلدان الأكثر تنوعًا عرقيًا في العالم، والأميركيون المسلمون هم أكثر المجتمعات الدينية تنوعًا عرقيًا في أميركا. أتذكر صديقة مصرية زارتني خلال العيد وحين ذهبنا إلى الصلاة علقت قائلة إنها لم تر هذا التنوع الواسع إلا في مكة المكرمة.وفي حين أنه لا توجد جماعة عرقية واحدة تشكل أغلبية بين مسلمي الولايات المتحدة، إلا أن أكبر جماعة من السكان المسلمين ليست من الأميركيين العرب أو من المسلمين المتحدرين من شبه القارة الهندية، ولكنها من الأميركيين الأفارقة. وقد اعتنق كثير من الأميركيين الأفارقة المسلمين، الإسلام بعدما دخلوا في طور البلوغ، ولكن أعدادًا أكبر منهم لديهم آباء وأمهات وحتى أجداد مسلمون. والبعض منهم يتحدرون من سلالة الأفارقة المسلمين الذين تم استقدامهم كعبيد إلى أميركا منذ قرون.واليوم، فإن الأميركيين المسلمين هم من بين الجماعات الدينية الأكثر تعليما، وانخراطًا في ريادة الأعمال، والأكثر دأبًا على العمل في الولايات المتحدة. وهم أكثر احتمالا أن يحصلوا على درجات علمية متقدمة من عموم الأميركيين، وأن يكونوا من أصحاب العمل. والأميركيون المسلمون في المتوسط هم أصغر سنا من أي مجموعة دينية أخرى، بمتوسط عمر يبلغ 35 عامًا فقط، بالمقارنة مع 54 عامًا أو أكثر في المجتمعات الأخرى. وهذا يعني أنهم أكثر احتمالا أن يتم توظيفهم وإسهامهم في نمو الاقتصاد الأميركي كعمال وأصحاب عمل. والأميركيون المسلمون هم أطباء ومهندسون، ومن بينهم أيضًا محامون ومعلمون وضباط شرطة ومخرجون سينمائيون ومسؤولون منتخبون.الأميركيون المسلمون لا يقومون بالمساعدة في بناء بلدهم من خلال مهنهم المختلفة فحسب، إنما أيضًا يتطوعون بوقتهم ويتبرعون بالمال لمساعدة المحتاجين في أميركا. وقد شاهدتُ هذا بنفسي عندما كنتُ أعمل في المجلس الاستشاري للشراكات القائمة على الدين والجوار في العام 2009 الذي أسّسه الرئيس أوباما.عندما دعا الرئيس مواطني البلاد إلى خدمة المجتمع لمساعدة المحتاجين، لبى المسلمون الأميركيون الدعوة بحماس. كان الهدف من حملة "المسلمون يخدمون" هو العمل مدة 1000 يوم من الخدمة في صيف العام 2009، مع إنجاز 25 في المائة على الأقل من المشاريع بالتعاون مع الجماعات الدينية الأخرى. وتم الترويج لهذه الرسالة المتمثلة في خدمة الله عن طريق خدمة الآخرين في خطب الجمعة، وفي موقع فيسبوك، وفي المؤتمرات المزدحمة، والأحاديث الحميمة. وتطوع أطباء أميركيون مسلمون بوقتهم في عيادات طبية مجانية لخدمة أولئك الذين ليس لديهم تأمين صحي. وقام أميركيون مسلمون شباب بإطعام مشردين ومن لا مأوى لهم، وساعدوا في إعادة بناء المنازل. وقام آخرون بتنظيف الطرق السريعة والحدائق العامة، بينما قدمت الجمعيات الخيرية الأميركية الإسلامية الكتب إلى المدارس التي تعاني نقصًا في التمويل في مناطق الأميركيين الأصليين. وكانت نتيجة الحملة في صيف ذلك العام قيام المسلمين بالخدمة لأكثر من 3 آلاف يوم عمل، والتعاون مع طائفة دينية أخرى بنسبة تتخطى الـ 90 في المائة. وقد قدمتُ أنا شخصيًا تقريرًا يوثق هذه الإنجازات إلى الرئيس أوباما الذي قدّر خدمات أفراد المجتمع لمساهمتهم في بلادنا خلال كلمته التي ألقاها في حفل الإفطار الرمضاني بالبيت الأبيض، وهو تقليد سنوي متبع.من إعصار كاترينا في العام 2005 إلى الإعصار المدمر في ولاية أوكلاهوما في العام 2013، تبرع الأميركيون المسلمون بعشرات الملايين من الدولارات للإغاثة في حالات الكوارث والآلاف من ساعات العمل التطوعي لتوفير الإمدادات اللازمة وإعادة بناء المنازل والشركات.هل يعني هذا أن مسلمي الولايات المتحدة لا يواجهون أي تحديات كمجتمع في أميركا؟ بالطبع لا. فالمسلمون، شأنهم شأن العديد من المجتمعات الأخرى، يواجهون في بعض الأحيان التحيز والتمييز. وفي حين أن أقلية صغيرة من الأميركيين تعترف بأنها تُخفي مشاعر من "التحيز الشديد" ضد المسلمين، إلا أن عددًا أكثر بكثير لا يعرف الكثير عنهم.يتعاون المسلمون الأميركيون مع إخوانهم الأميركيين ذوي الضمير الحي لمكافحة المفاهيم الخاطئة من خلال الحوار وخدمة الأديان. وتشمل الجهود المبذولة لتثقيف الجمهور أيضًا إشراك الصحفيين، فضلا عن أولئك الذين يصورون الأفلام والبرامج التلفزيونية. ويتم تصميم البرامج التعليمية أيضًا لتناسب ضباط تنفيذ القانون والمربين والمعلمين وواضعي السياسات.عندما يعمل المسلمون الأميركيون لتحسين بلدهم، وتصبح جهودهم معروفة لجيرانهم، فإنهم يعززون تقليدًا أميركيًا اجتاز اختبار الزمن، وهو اختيار سبيل التقدم بدلا من التحيز. لقد كان هذا التقليد هو الذي حرر العبيد وأعطى النساء والأقليات العرقية الحق في التصويت. وكان هذا هو التقليد الذي استفاد منه قادة الحقوق المدنية لجعل أميركا أقرب إلى تحقيق وعدها. وكان هذا هو التقليد الذي تبناه كثير من المجموعات العرقية لاكتساب القبول في التيار الأميركي السائد. وتقريبًا واجهت كل طوائف المهاجرين، سواء الإيطاليين أو البولنديين أو اليهود أو الصينيين أو اليابانيين أو أولئك من أصول لاتينية، تحديات في البداية. فقد عانى الكاثوليك في أحد الأوقات من التمييز وشبهة الولاء المزدوج، ولكن فيما بعد أصبح جون كينيدي، وهو أميركي إيرلندي كاثوليكي، رئيسا للبلاد. وكان الزواج بين عرقين مختلفين والذي جاء بباراك أوباما، غير قانوني في العديد من الولايات، بما في ذلك ولاية فرجينيا، عندما وُلد. ولكنه واصل حياته إلى أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة، ليصير أول ديمقراطي يفوز في ولاية فرجينيا منذ عقود. وتستمر هذه العملية من النمو والتجديد اليوم.إن الأميركيين المسلمين، شأنهم شأن الأميركيين الآخرين، يرحبون ببعض سياسات حكومتهم ويختلفون مع بعضها الآخر، محليا ودوليا.ومثل غيرهم من الأميركيين، يُعبّر الأميركيون المسلمون عن موافقتهم ومعارضتهم من خلال كتابة المقالات الافتتاحية في الصحف، والظهور في البرامج الإخبارية والتحدث علانية في الجامعات ومراكز البحوث. كما أنهم ينضمون إلى المنظمات التي تعمل من أجل التغيير، ويؤسسون منظمات أخرى جديدة.وعلى الرغم من وجود بعض التحديات، فإن الأميركيين المسلمين يؤمنون إلى حد كبير بوعد أميركا بالعدالة والمساواة. فيقول معظمهم إنهم يثقون في نزاهة الانتخابات ولديهم ثقة في النظام القضائي. كما يقول معظم الأميركيين المسلمين أيضًا إنهم يحددون إطار هويتهم بشكل قوي من خلال بلدهم ودينهم، ومثل الأميركيين الآخرين، فإنهم لا يرون أي تناقض بين هاتين الهويتين .> داليا مجاهد هي الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة مجاهد للاستشارات، والمديرة التنفيذية السابقة لمركز غالوب للدراسات عن المسلمين. كما اشتركت مع جون اسبوزيتو في تأليف كتاب "من يتحدث باسم الإسلام؟ - ما الذي يؤمن به بليون مسلم حقا. وقد عيّن الرئيس أوباما مجاهد في المجلس الاستشاري للشراكات القائمة على الدين والجوار التابع للبيت الأبيض في العام 2009.