نبض القلم
العبادة المشروعة في الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج هي الطريق العملي لإصلاح حياة الإنسان وتطهير نفسه وجسمه ووجدانه من الأدران ، متى أحسنت ممارستها ، وأديت على خير وجه. وما العبادة في الإسلام إلا خلق ومبادئ ، وواجب ومسؤولية، فيها يخلق المجتمع الصالح، وعن طريقها ينهض المجتمع ويتطور، وبواسطتها يتحقق النظام، ويسود الإخاء والتعاون والتراحم والتكافل بين الناس. فالصلاة طهارة للنفس بالإقبال على الخالق والخشوع له، وطهارة للأعضاء بالضوء ، وطهارة للجسم بالاغتسال، وفيها كف لصاحبها عن المنكرات، وفيها مساواة بين الناس من سائر الأنواع والأجناس، وفيها اتحاد ونظام وخشوع وخضوع لله، قال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت ، 45 . والصوم جهاد للنفس ، وصبر على الشهوات، ورياضة للروح والجسد، وبه يكتسب الجسم قوة وصحة، وبه يتعود المرء على البذل والتضحية، وتقوى لديه الإرادة التي بها يستطيع تحمل أعباء الحياة، وبه يزداد الإنسان صبرً على تحمل الشدائد ويقوى على احتمال المصاعب ، وفي الصوم تعاون وإحساس بشعور المعوزين والمحتاجين ، وبه يتحقق طهر النفس ونقاء القلب، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن ، قال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين، آل عمران ، 142) . والزكاة مثل رائع لتعاون الناس فيما بينهم، لخير الجماعة، وهي دلالة واضحة على مشاركة الأفراد في المسؤولية الاجتماعية ، لضمان حياة كريمة للمحتاجين، وفيها يتم تحقيق العدالة الاجتماعية والاستجابة لأمر الله تعالى الذي أنزل الماء، ونمى الزرع ، وانضج الثمار، وبعث الحرارة لتنمو المزروعات والأزهار، وأرسل الرياح لتغذية النباتات وتلقيحها ، وهو الذي يحمي المزروعات من الفيضانات والآفات، وفي الزكاة اعتراف من المرء بأن الأموال هبة من عند الله، وفيها حقوق للمحرومين والمعوزين. قال تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، المعارج ،25).والعبادة في الإسلام ليست مقصورة على ما ذكرنا من صلاة وصيام وزكاة وحج، وكل ماله علاقة بحقوق الله، بل تتسع دائرتها لتشمل السعي في طلب الرزق، والضرب في الأرض وإقامة العمران البشري على قواعده العتيدة من زراعة وتنمية للثروة ، وتفجير للقوة، ومن هنا عد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الاشتغال بهذه الأعمال عبادة مادامت النية صالحة والقصد شريفاً وذلك في قوله: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة). ويتبين من هذا أن الإسلام يعتبر العمل عبادة، بل يعتبره حقاً وشرفاً ومعاشاً، وفي الحديث الشريف عن كعب بن عجيزة رضي الله عنه ، قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه ما أثار إعجابهم ، فقالوا: يارسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله (إن كان خرج يسعى على أولاد صغار فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان). وهكذا جعل الإسلام العمل عبادة بل رفعه إلى مرتبة الجهاد في سبيل الله، إذا اقترب بالنية الصالحة ونبل الغاية ، واعتبر القاعدين عن العمل ، والكسالى كالمتخلفين عن الجهاد، ولقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (إن الرجل ليعجبني فأسأل: لا عمل له ، فيسقط من عيني). ونفهم من ذلك أن الإسلام كره البطالة وانتقص أصحابها ، وجعل شرار الناس أولئك القاعدين من غير عمل ، الطاعمين من غير جهد، الناعمين من غير كفاح، الذين يمضون أوقاتهم في الثرثرة واللغو وغير المفيد من الكلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم، وغذوا به يأكلون من الطعام ألواناً ويتشدقون في الكلام). كما جعل خيار الأمة وأعز أبنائها أولئك الذين يعرفون رسالتهم في الحياة ويؤدون ضريبة الصحة والعافية، ويقضون حياتهم في العمل ، ويمضون أعمارهم يديرون دواليب الإنتاج ، ويحولون التراب خيراً وبركة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما كسب رجل كسباً أطيب من عمل يده) . ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمسك يد تورمت من كثرة العمل، فقال: (هذه يد يحبها الله ورسوله ) كما ورد عنه قوله : (من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له).[c1]* خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]