عندما نبش الدكتور عزت عطية الأستاذ في الأزهر مسألة إرضاع الكبير وتناولتها العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية ، وقف من يسمّون بعلماء الإسلام السياسي والسلفي مكتوفي الأيدي ! ولم ينطقوا ببنت شفة، ولم يتصدوا في هذا الموضوع المثار للعلمانيين والحداثيين والليبراليين ! ولم يفطن لهذا السكوت الكثيرون ! كما لم يفهموا سبب هذا السكوت المريب ! وكشف الجواب عنه : هو أن أحاديث رضاع الكبير صحيحة بمعايير أهل الحديث التي قدسوها كتقديس القرآن أو أشد !! وقال بصحة هذا الرضاع في إباحة الخلوة بين طرفي الرضاعة عدد من علمائهم ( ! ) .. ولهذا فهم إن نقضوها رجعوا إلى صف الحداثيين المغضوب عليهم والضالين !! وإن دافعوا عنها انكشف أمرهم المريب ! وشهوتهم الجامحة! المتسترة وراء نصوص مخترعة ومفتراة لا يجرؤون أن يردوها بعقولهم المعطلة ! بل ولا يقدرون على شيء ! فآثروا الصمت إقراراً لما قيل ! حتى كاد المتابع أن يصف صمتهم بالإجماع السكوتي ( !! ) ولا يستطيعون أن يحتجوا بالقاعدة الأصولية : لا ينسب لصامت قول ! لأن هذه القاعدة في الاجتهادات .. وليست في تأكيد وجود ما يسمونها بـ ( أحاديث ) تفيد جواز إرضاع الكبير لأجل رفع الحرج في الحجاب ، والظهور المباشر والخلوة المشروعة بين طرفي الرضاعة ( ! ) سبحانك هذا إشكال مبين !! . واليوم يصمم القوم على كشف المزيد من سوآت أفكارهم وفتاواهم التي عفا عليها الدهر ! .. فيدعون إلى رفض تحديد سن زواج البنت ويجيزون زواج الصغيرة ! ويتمسكون بلفظ ( الصغيرة ) وذلك اعتراف ضمني بفساد ما ذهب إليه أسلافهم ومراجعهم الذين كانوا أشجع منهم حين صرحوا في كتبهم وبوّبوا لهذا الموضوع بتعبير ( نكاح الرضيعة ) فإن ( الرضيعة ) لفظ يبين أن الزواج يحق لولي أمرها أن يبرمه لها حتى ولو كانت في مهد الرضاعة ( !! ) . هذا الإمام محيي الدين النووي - شارح (صحيح ) مسلم يقول: ((.. وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزواج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به ، وان اختلفا فقال الأحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها . وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حد ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسن وهذا هو الصحيح )) أ. هـ شرح صحيح مسلم ( 9 / 206 ) . إن قول النووي : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به .. معناه إن اتفقا على ألا يطأها الزوج ، وإنما يقتصر على الاستمتاع بها بالتقبيل والتفخيذ وغيرهما مما هو دون الوطء كما لا يخفى ! . وقال السرخسي من الحنفية : لو تزوج الرجل رضيعة صح النكاح ( !!) 15 / 109 من المبسوط أ. هـ وقال النووي في روضة الطالبين 5 / 314: لا يشترط - في العين الموقوفة- حصول المنفعة والفائدة في الحال، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين .. كما يجوز نكاح الرضيعة.. !! وقول النووي والسرخسي آنفاً من الأدلة على وجود القول بمفاخذة الرضيعة عند السنة كما هو عند الشيعة على السواء خلافاً لما زعم ان ذلك من مذهب الشيعة لا غير فتمسك به وعض عليه بالنواجد!. وإذا كان دعاة العودة إلى القرون الأولى من دعاة الإسلام السياسي والسلفي قد خجلوا قليلا واعترفوا انه يتحتم عليهم أن يستروا هذه العورة أخيراً ، ويغيروا ألفاظ الكلام ويكتفوا بالدعوة إلى جواز نكاح ( الصغيرة ) لأنهم لو استعملوا لفظ ( الرضيعة ) حل عليهم السخط والغضب وقذف بهم الحاضر المتحضر في مزبلة الماضي السحيق ! فإن هذا اعتراف ضمني بأن الماضي قد عفا عليه الدهر ، ولا يصلح أن يكون حاضراً ! ، كما إن الحاضر لا يمكن أن يستمر إلى المستقبل ، فلكل زمان دولة ورجال !! فما بال من يسمون بـ (( علماء اليمن المتخلف )) يستحيون من الإفصاح عن (( جواز نكاح الرضيعة ومفاخذتها )) وينتقلون إلى تعبير : (( جواز نكاح الصغيرة )) ، وهل من يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها ينفعه هذا التغيير في الاسم ؟! والأسماء لا تغير حقيقة المعاني كما لا يخفى على أولي الألباب ! ثم إن كانوا حقاً علماء ، فلماذا نحن في بلدنا لم نستطع أن ننتج شيئاً أو نخترع شيئاً وهذه الكوكبة اللامعة من “ العلماء “ بين ظهرانينا!! اللهم لطفك !! . وإذا كان الأولون معذورين بالتصريح دون حرج بجواز نكاح ومفاخذة الرضيعة ، بسبب ملاءمة الثقافة السائدة آنذاك لتقبل مثل هذا الطرح والتعبير ! فإن المتأخرين غير معذورين في إعادة إنتاج هذا الطرح بتغيير لفظ (الرضيعة ) إلى ( الصغيرة ) لأن عصرنا لا يقبل مثل هذه الثقافة التي أصبحت من ركام الماضي هي وتجارة الرقيق واستعباد الأسرى وديكتاتورية الحكم !! إن حظر كل مظاهر الرق وإغلاق أسواق النخاسة ، وتحديد سن الزواج للذكر والأنثى ، وديمقراطية الحكم ، والاحتكام إلى صناديق اقتراع الناخبين .. كل ذلك يصب في مصلحة المسلمين التي يباركها الإسلام ويوافقها جوهره التقدمي وتشتمل عليها مقاصده الحية التي تتجدد في كل زمان ومكان !! إن البيان الذي سلمه هؤلاء لرئيس الجمهورية في يوم الجمعة الماضي بصنعاء ويدعون فيه إلى إبعاد المرأة من القضاء والتعليم وإلى الإبقاء على جواز نكاح الرضيعة وإلى إعادة نظام الرقيق !! ، وإلى إضافة التعليم الديني بجانب التعليم الابتدائي إلى الثانوي على غرار ما كان عليه أمر طالبان ، وأسلمة القوانين والتشريعات ، ومنع الموسيقى والغناء ، واختتموا تلك المطالب بتأييد الوحدة ومباركة الاتحاد العربي كنفاق سياسي بامتياز! يؤكد هذا على إصرار هؤلاء في تحدي التطلع إلى مستقبل مزدهر وفي التصميم على بقاء اليمن في حضيض التخلف والجهل وحكم الدولة الدينية الأحادية التي تكفر كل شيء وتقتل من خالفها أو عارضها وتفسد في الأرض باسم الإسلام ، وصدق الله القائل : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) . إن الوقوف في وجه الدعوات التي تدعو إلى محاربة العلم والتقدم والمرأة وتمارس أبشع أشكال التمييز ضدها ، واجب كل محب لهذا الوطن ، ولكل عازم على السير نحو الانعتاق من أغلال التخلف والجهل والفقر والمرض التي لم نشهد ( لعلمائنا) أي موقف مشرف في مكافحتها سوى احتشاد محافلهم ضد كل خطوة يحاول اليمن أن يخطوها ضد المستقبل !! . هذه قصة أليمة حكاها لي احد الأصدقاء المتدينين جداً ، والنابهين جداً ، والمتطلعين إلى الانعتاق يقول : إن جده كانت له بنت تعيش معه ومع أمها وبقية أخوتها بأمان ، ثم زارهم أناس وهي بنت أربع سنين وكانت تلعب بـ (( الفتاتير )) وفي المساء قال لها اذهبي معهم سيذهبون بك إلى حديقة فيها ألعاب وسيعيدونك في المساء ، فصدقته وتبعتهم ، وكانت غيبتها إلى حيث يعلم الله ! وفي المساء أخبر أمها أنه قد زوجها ، وسوف يذهبون بها يربونها ، بعدها سوف يكتب الله لهم لقاء آخر إن أراد! صعقت الأم لأن القوم غرباء ونزلوا من أعالي اليمن ! والتواصل يكاد يكون حينها مقطوعاً ومضت السنون، ولا تعرف الأم المكلومة شيئاً عن فلذة كبدها ! وكبرت البنت ، وهاجرت إلى السعودية وأنجبت بنين وبنات ، لكنها لم تنس لأبيها هذه القسوة ! ولم تنس له جريمة حرمانها من حقها في التمتع بطفولتها ! وبدأ التواصل بعد الوحدة وبعد اتساع خدمة الاتصالات وقد مضى عليها أربعون عاماً ! ومرض أبوها وطلبوا إليها الحضور لزيارته وشهود اللحظات الأخيرة من عمره .. فأبت وماطلت ولكنها تحت ضغط الضمير والواجب نزلت إلى عدن وقررت زيارة أبيها ، فلما دخلت عليه وهو على فراش الموت ، ارتمت فوق صدره تبكي فضمها إليه ضمة لم يعهدوا من قوته مثلها وهو يناديها بأن تسامحه ثم لفظ رمقه الأخير وهي في حضنه !! هذه القصة المؤثرة تكشف حجم المأساة التي تتبع هذه القوانين الجائرة والظالمة عندما يتصرف الآباء دون رادع من ضمير أو دين أو قانون !!